الخلاصة:
يتناول هذا البحث موضوع التأريخ لجزء من معاناة الشعب الفلسطيني على أثر نكبة عام 1948م وذلك بالاعتماد على ذاكرة المكان، فقد تم اعتماد روايات ذات صلة أدلى بها شهود عيان استأنسوا بذاكرة المكان لاسترجاع مواقف وأحداث، واستحضار صور ومشاهد، وبعد مراجعة ودراسة مستفيضة لتفاصيل هذه الروايات، تبين أن المكان شكل عاملاً مهماً في بنية هذه الروايات وفي صياغة أدبياتها، حيث أن مفردات المكان ومفاهيمه كشفت للرواة ما خبئه الزمن وما أبعده العمر، فالمكان بروحه وإحساسه استطاع أن ينفض غبار الزمن عن أحداث ومواقف ولت، وأن يزيح تراب الماضي عن مشاهد وصور أفلت، فعمل على إحيائها من جديد، ثم قدمها للإنسان بملامح مكانية معروفة يسهل عليه قراءتها وتفسيرها بعد غربة طويلة. ومن هنا فإن نجاح الباحث في الالتقاء بالراوي في فناء مكانه يعتبر نجاحاً في استدعاء أحداث واجترار صور ستكون مستعصية في ظروف عادية، ولذلك فإن الالتقاء بالرواة في أماكن مستهدفة أمر له أهميته في مجال البحث في التاريخ الشفوي، لأن المكان يعتبر عاملا ًمهماً في تحريض ذاكرة الراوي وحثها على ربط الأحداث بأماكنها، وبهذا فإن اهتمام الباحث بذاكرة المكان لدى الرواة يعد من أهم تقنيات ومناهج البحث في مجال التاريخ الشفوي. كما أن ذاكرة المكان لها دور كبير ومهم في إعادة تركيب ملامح الوطن الضائع وصناعته من جديد في مخيلة أبناء النكبة الذين حملوا صورة هذا الوطن بين أفئدتهم كي يسلموها إلى أبنائهم وأحفادهم ليناضلوا من أجل إعادة الحياة إلى تلك الصورة المهجورة وشحنها بحلم حق العودة.
