Abstract:
يشكل البحر أحد الأمكنة الأكثر حضورا في الشعر الفلسطيني المعاصر، وهو ما لفت انتباهي إلى الموضوعة الكامنة خلف صورة البحر، فهو في حدّ ذاته فضاء للتأملات الشعرية الباحثة عن معنى الوطن من خلال جدلية الأرض والمنفى. ومادام البحر وما يرتبط به من أشكال مكانية (الموج، الموانئ، النوارس، السفن والأشرعة...) من علامات الخروج والابتعاد عن الأرض لما علق بصورته في الذاكرة الجماعية وفي الخيال الشعري من صور الرحيل والمغامرة في المجهول، فإنه في الوقت نفسه يظل علامة على انتظار العودة والعائدين لما اختزنه من آمال وأحلام المنفيين الذين ظل ارتقاب موعد العودة هاجسهم الأبدي. ومن ثم اخترت في هذه الدراسة بحث دلالات صورة البحر في الشعر الفلسطيني من منظور جماليات المكان، وباعتبار هذه الصورة المكانية أحد النماذج الشعرية التي شكلت ظاهرة رمزية ومستوى أيقونيا لصورته في المتن الشعري نظرا لكونه أصبح نموذجا لمجموعة من التمثيلات الموضوعاتية المرتبطة بقضايا الأرض والمنفى والعودة. ولقد استرشدت في هذه الدراسة بمقاربات اتجاه السيمياء الثقافية "يوري لوتمان" والمفاهيم الظاهراتية لدى "غاستون باشلار" و"كريستين دي بوي" وغيرهما. وبالنسبة لاستجلاء البنية الكلية للخطاب الكامن في صورة البحث، فإن التحليل اتجه إلى دراسة العناصر المكانية المرتبطة بالبحر باعتباره فضاء للتأملات . ومن ثمّ دراسة العناصر المشكلة للخيال الشعري من خلال مفهوم النمذجة، والذي ربط مكانية البحر بدلالات المنفى والأرض والوطن والغربة والعودة ، وهي كلها من الدلالات الرئيسية التي ركّز فيها الشعراء على خيال المنفى.