الثقافة الإسلامية
0%
Close العودة إلى الرئيسية

لكل مجتمع أنظمته الخاصة به التي تنبثق عن فلسفته إلى الكون والحياة والإنسان والتي تتسق مع ثقافته، وفي هذه الوحدة سنتناول عدداً من الأنظمة الإسلامية، منها النظام الاجتماعي والنظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام التربوي، جاعلين من الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي قاعدة ننطلق منها في بيان جزئيات هذه الأنظمة، كما سنبين في هذه الوحدة ما يتمتع به الفقه الإسلامي من حيوية تجعله قادراً على تنظيم جوانب الحياة المختلفة في كل العصور، لما يتمتع به من مرونة في التعامل مع المستجدات والحوادث.

مخرجات التعلم
  • تبين حيوية الفقه الإسلامي ومصادره المختلفة.
  • تبين مظاهر الترابط الأسري وأهميته في الإسلام.
  • تدرك دور الإسلام في تعزيز مكانة المرأة مقارنة بالأديان الأخرى.
  • توضح أصول النظام السياسي في الإسلام وعلاقته بالدول الاخرى.
  • توضح طبيعة الملكية وأنواعها وكيفية توزيع الثروة في الإسلام.
  • تبين أهداف التربية الإسلامية ووسائلها وأشهر أعلامها.
  • تبين الأخلاق الاسلامية وأدلتها وفوائد التمسك بها.
  • تستشعر دور الأخلاق الإسلامية في توجيه سلوكك في كافة مجالات حياتك.
  • تقدر عظمة الإسلام في تنظيمه للمجتمع الإسلامي.
الموضوعات

عزيزي الطالب، اضغط على الخريطة الآتية لتتعرف على أهم الموضوعات التي تناولتها الوحدة.


للتعرف على تفاصيل الوحدة، يمكنك تصفح الموضوعات التالية:

  • مقدمة
  • مفهوم الفقه الإسلامي
  • طبيعة الشريعة الإسلامية
  • المصادر التشريعية للفقه الإسلامي
  • نشاط
  • اختبر نفسك

أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على سيدنا محمد (ﷺ) ليكون معجزته الخالدة التي يهدي بها البشرية إلى عبادة الله وحده، وأنزل معه ديننا الحنيف الذي كرّمنا الله بأن نكون من أتباعه، فكان للقرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف الذي تعهّد الله بحفظهما إلى يوم الدين الكثير من العلماء والفقهاء الذين شرفهم الله بحملهم لهذه الرسالة، ونتيجة لذلك فقد وجدت الكثير من العلوم الإسلاميّة الشرعيّة التي درست أحكام الإسلام والدين والقرآن والسنة، ومن هذه العلوم الإسلامية علم الفقه والذي سنتعرف عليه في هذا الموضوع.

بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراً على أن:

  • توضح مفهوم الفقه الإسلامي.
  • تبين طبيعة الشريعة الإسلامية وخصائصها.
  • توضح المصادر التشريعية للفقه الإسلامي.

الفقه الإسلامي: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية، وهذه الأدلّة هي القرآن الكريم والسُنّة النبويّة وما يتعلّق بهما من إجماع واجتهاد.

يعنى الفقه الإسلامي بفهم أحكام الشريعة الإسلامية واستنباطها من أدلتها التفصيليّة في القرآن الكريم والسنة النبوية في كل مناحي حياة المسلم من أفعال وعبادات مكلّف بها، فهو يختص بتنظيم شؤون الأفراد والجماعات في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها، والأحكام الفقهية التي تضم هذا العلم تشمل المعرفة بأحكام العبادات، وأحكام المعاملات المدنية بين الناس، وأحكام الأحوال الشخصية وأحكام الجنائيات، والأحكام القضائية، والأحكام الدولية، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بالإمامة والخلافة والسياسة، أي أنه يختص بالمسائل الفقهية فقط ولا يتدخل في المسائل الاعتقادية.

يعد التشريع الإسلامي تَشريعاً عالميّاً بخِلاف الشرائع السماويّة السابقة له التي كانت خاصة بأقوامٍ محددة، فالشريعة الإسلامية هي ما شرعه الله سُبحانه لعباده من الأحكام التي جاء بها أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، والتي تكفل سعادتهم في الدنيا والآخرة، وتتميز هذه الشريعة بعدد من الخصائص التي تجعلها صالحة لكل زمان ومكان ومنها:

  • الشريعة الإسلامية إلهية ربانية: أي إن مصدرها من الله سبحانه وتعالى الخالق المعبود، صاحب السلطان الذي له حقّ التشريع، مما يجعلها الشريعة الوحيدة التي لها الحق في السيادة والحكم، فهي تجعل حياة المسلم مترابطة ومنسجمة لا تَعارض ولا تناقض فيها على خلاف الشرائع الوضعية المحكومة بالنقص.
  • الشريعة الإسلامية عامة شاملة: فهي شريعة الله إلى العالمين، وهي هدى ورحمة للناس أجمعين، فقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون ﴾ (سبأ: 28)، فهي لا تنحصر في جيل من الأجيال ولا عصر من العصور، فهي للناس جميعاً حتى يرث الله الأرض وما عليها.
  • الشريعة الإسلامية تجمع بين الثبات والتطور: فهي ثابتة في أصولها متطورة في فروعها؛ فالثبات في الشريعة الإسلامية هو ما ثبت بالدليل القطعي كأصول العقيدة والعبادات، والمرونة فيها تستوعب وتلاحق التطورات والمستجدات وفق أصول الشريعة ومقاصدها، وذلك للتيسير على الناس ورفع الحرج والمشقة عنهم، ومن الأمثلة على مرونة الشريعة عدم تحديد شكل معين للشورى يلتزم به الناس في كل زمان وكل مكان. 
  • الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع الإلهية: فهي خاتمة كل الشرائع التي اكتمل بها معنى الدين، وعلى الرغم من أنها منزلة من عند الله إلا أنها أحلت للعقل البشري فرصة كبيرة للاجتهاد والتفكر والتدبر.

تقسم مصادر الفقه الإسلامي إلى مصدرين وهما:

وهي المصادر الأصلية للتشريع الإسلامي، وهي كلام الله تعالى الذي لا يأتيهِ الباطل من بينِ يديه ولا من خلفه، ومعرفة الأحكام الفقهيّة تكون بالفهم الصحيح لهذه المصادر، والمصادر النصية هي:

  • القرآن الكريم، يعتبر القرآن الكَريم المصدر الأول من مصادر التشريع إطلاقاً.
  • السنة النبوية، هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وقد جاءت السنة النبوية لتوضيح ما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وتفصيل جزئياته، فهي موضّحةٌ لكتاب الله متمّمةٌ له، وقد تضع من الأحكام ما ليس في القرآن الكريم.

وهناك ملاحظات عدة على الآيات والأحاديث التي وردت فيها أحكام شرعية من أهمها :

  • إن أكثر البيان القرآني للأحكام الشرعية إجمالي، وللإجمال في القرآن الكريم حكمة بالغة، وهي مساعدة الناس على فهم الأحكام واستنباط الجزيئات في كل العصور، ولذلك جاءت السنة مبينة لما أجمل من النصوص.
  • إن مجمل النصوص الشرعية المتعلقة بالأحكام الشرعية محدود، فالأحكام المحددة قليلة نسبياً، فعدد آيات الأحكام كما يراها بعضهم حوالي 500 آية فقط، فالأحكام جاءت قليلة أما الفقه الإسلامي واسع جداً، ولهذا فإن الباب الأوسع في الأحكام الشرعية راجع للاجتهاد لا للنص، علماً بأن النص يستفاد منه ويرتكز عليه في الاجتهاد.
  • إن دلالة الآيات والأحاديث على الاحكام قد تكون قطعية وقد تكون ظنية، وهنا يستدعي أن يقوم الفقيه ببذل جهده في التعرف على مراد الشارع من النص.

وهي المصادر التبعية الفرعية للفقه الإسلامي، وهي وسيلة لفهم النص وتطبيقه واستلهام روح التشريع ومقاصده، وذلك من خلال الكشف عن الأحكام التي لم يتناولها النص بأسلوب صريح ، وهي:

  • القياس : إن نصوص القرآن الكريم متناهية في ألفاظها، أما الوقائع المستجدة فهي غير متناهية لذلك وجب قياس المسألة الفرعية المستجدة على المسألة الأصلية المنصوص عليها في القرآن والسنة إذا اشتركتا في علة الحكم.
  • الاستحسان : يتيح لنا الاستحسان العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر لوجه أقوى يقتضي هذا العدول وهذا يدل على حيوية الفقه الإسلامي، ومن الأمثلة على الاستحسان ما ورد في المنصوص حول نجاسة سؤر(بقية طعام وشراب الحيوان التي تتبقى في الإناء ) سباع الحيوان، وعندما نقيس سؤر سباع الطيور على هذه المسألة فإننا نستحسن إعطائها حكماً مغايراً نظراً لاختلاف العلة، وذلك أن سباع الحيوانات تلغ بألسنتها ويخالط لعابها الماء، أما سباع الطيور فلا ألسنة لها ينجس بها الماء وإنما تتناول الماء بمناقيرها وهي عظام جافة وبذلك لا يحكم عليها بالنجاسة. وهذا دليل واضح على خصوبة الفقه الإسلامي.
  • الاستصلاح : إن الشريعة الإسلامية جاءت لمراعاة مصالح العباد، فإذا لم يرد نص قطعي في مسألة ما، ولم يجد في الشرع دليل معارض وكان في الأخذ بالمسألة مصلحة معتبرة، فالمصلحة فيها هي دليلنا في القول بشرعيتها، وهذا أوضح دليل على حيوية هذا الفقه وخصوبته.
  • الاستصحاب : إن الاستصحاب أصل لعدد من القواعد الشرعية والمبادئ القانونية ، ومن هذه القواعد، اليقين لا يزول بالشك، والأصل في الأشياء الإباحة، فهذه القواعد لها تطبيقات لا حصر لها في العبادات والمعاملات والعقوبات، فمثلاً المفقود يأخذ حكم الأحياء فتبقى أمواله وزوجته على ملكه حتى يحكم القاضي بموته.
  • سد الذرائع وفتحها : يحكم الفقه الإسلامي على الذريعة أو الوسيلة التي تؤدي إلى ضرر أو مفسدة بحكم المفسدة، وقد تكون الذريعة بحد ذاتها من المباحات لكن لكونها وسيلة توصل إلى المفسدة فيحكم عليها بحكم المفسدة ، مثل حرمة تأجير محل لأن المستأجر يريد بيع خمر فيه، كما أنه يمكن أن يبيح حراماً لأمر طارئ وهو ما يسمى فتح الذرائع، فهنا تأخذ الذريعة حكم مقصودها الذي هو منفعة وقربى إلى الله، مثل الرشوة لمنع قتل إنسان بريء أو البطش به وظلمه.
  • العرف : إن الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية ثابتة لا تتغير، ولكن هناك أحكام مستندة على العرف والعادة فتكون متغيرة بتغير الأزمان وهذا يدل على حيوية الفقه الإسلامي.
  • السياسة الشرعية : تعد السياسة الشرعية مظهراً رائعاً من مظاهر الاجتهاد بالرأي الذي يحقق مصالح العباد، فالسياسة الشرعية نوع من أنواع الفقه الإسلامي المتطور الذي يعالج قضايا بالغة الأهمية من النواحي السياسية والاقتصادية والقضائية والتنفيذية والاجتماعية والنظام العام والآداب وغيرها.

إن الإسلام دين لا يعرف الجمود ولا يعترف بالتقليد، وإنما يحث أتباعه دائماً على الابتكار والتجديد لصناعة حياة طيبة كلها رخاء وازدهار، فهناك تغييرات بالغة الأهمية حدثت في حياة الإنسان، ومطلوب من الفقه الإسلامي أن يلاحق كل هذه التطورات الجديدة ويستنبط الأحكام الشرعية التي تجعل المسلم مواكباً لعصره غير منعزل عما يحيط به من تطورات. إن كثيراً من أهل الغرب اتهموا فقهنا الإسلامي بالجمود، ولكن المنصفين منهم والعارفين بحقيقة ما يطرح الإسلام من قوانين يقرون ويعترفون بأن ما في الإسلام من أحكام وتشريعات يشكل مصدراً تفخر به البشرية، وفيها من الحلول ما تعجز عنها حتى تشريعاتهم التي يدعون رقيها وسموها، وأن تشريعات الإسلام صالحة باقية متجددة، وهناك شهادات عدة من أهل الاختصاص من علماء ورجال تشريع يمكنك الاطلاع عليها لتستأنس بها.


نشاط (1)
الإسلام بطبيعته دين يتماشى مع سنن الحياة ولا يصادم الفطرة الإنسانية، ومن هنا يشجع الإسلام التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع من أجل الوصول إلى الأفضل في جميع مجالات الحياة، عزيزي الطالب كيف ترد على من يتهم الفقه الإسلامي بأنه فقه لا يساير الحياة العصرية وأنه يتصف بالجمود والرجعية، ناقش هذا الموضوع مع زملائك من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بالمقرر.

  • مقدمة
  • الأسرة في الإسلام
  • مظاهر الترابط الأسري في الإسلام
  • أهمية الأسرة في الإسلام
  • مكانة المرأة في الإسلام
  • نشاط
  • اختبر نفسك

نظم الإسلام أوجه الحياة المختلفة في جميع مجالاتها، ومن هذه المجالات تنظيمه للحياة الاجتماعية، فقد وضع الإسلام مجموعة من التشريعات والأحكام والمبادئ التي تنظم المجتمع، وتعد الأسرة عماد هذا المجتمع فهي اللبنة التي يقوى ويزدهر بها، وأساس هذه الأسرة علاقة الرجل بالمرأة، فقد وضع الإسلام لهذه الاسرة ولهذه العلاقة بين الزوجين من التشريعات والأحكام ما يجعلها سعيدة قوية مهما واجهت من الصعاب والمشكلات ، وكل ذلك في إطار من الاحترام المتبادل والعدل والرحمة.

بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراً على أن:

  • تبين مفهوم الأسرة وأنواعها.
  • توضح مظاهر الترابط الأسري في الإسلام .
  • تبين أهمية الأسرة في الإسلام.
  • تقارن بين مكانة المرأة في الإسلام ومكانتها في الأنظمة الأخرى.

الأسرة لغةً:
هي الدرع الحصينة، وهي القوة والحبس والقيد والرباط، وكلها تشير الى معاني القوة.

الأسرة اصطلاحاً:
هي الوحدة الاجتماعية الأساسية في البناء الاجتماعي، التي يتأتى من خلالها تربية الفرد في شتى المجالات الخلقية والاجتماعية والدينية وغيرها.

أنماط الأسرة في الإسلام:
قسم الباحثون الأسرة في الإسلام إلى نمطين وهما:

  • الأسرة النووية: هي الأسرة التي تتكون من الزوج والزوجة وأطفالهما.
  • الأسرة الممتدة: هي الأسرة التي تتكون من الزوجين وأطفالهما وتضم أيضاً أقارب الزوج أو الزوجة والأجداد.

نظم الإسلام العلاقات والروابط بين أفراد الأسرة أزواجاً وأبناءً وآباءً وذوي أرحام، ومن مظاهر هذا الترابط الأسري في الإسلام :

يحرص الإسلام على أن يكون أساس البناء الأسري بين الزوجين قائماً على عقد شرعي له أركانه وشروطه بعيداً عن العلاقات المحرمة، وقد عظم الله سبحانه وتعالى من شأن العقد الذي ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة، فقال تعالى: ﴿ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾(النساء:21)، ولا يقبل الإسلام أن يكون العقد بين الزوجين مؤقتاً، فهو رابطة دائمة بين الزوجين، وقد وضع الإسلام مجموعة من الأحكام والاعتبارات والتي تضمن قوة هذا العقد واستمراريته، ومنها:

  1. تشريع الخطبة قبل العقد، وتوجيه الخاطبين لحسن اختيار أحدهما للآخر، وحث الإسلام على اعتماد العامل الديني أساساً في الاختيار، فقال الرسول (ﷺ) « فاظفر بذات الدين تربت يداك » (رواه البخاري في النكاح، باب الأكفاء في الدين، ومسلم في الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين) .
  2. دعا الشرع إلى أن يتم العقد في ظل من التراضي البعيد عن الإكراه؛ حتى لا يكون عرضة للفسخ.
  3. رتب الشرع على العقد جملة من الحقوق للزوجين ومنها:
    • الحقوق المشتركة بين الزوجين، مثل المعاشرة بالمعروف لقوله تعالى: ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾ (النساء:19) ، وحق التوارث بين الزوجين.
    • الحقوق الخاصة بالزوج: مثل حق طاعة زوجته له، وحق قرارها في البيت فلا تخرج إلا بإذنه.
    • حقوق خاصة بالزوجة: مثل حقها في المهر لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ (النساء: 4)، وحقها في النفقة لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ (البقرة: 233)، وحقها في العدل عند تعدد الزوجات لقول الرسول (ﷺ) «مَنْ كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَال إِلَى إِحْدَاهمَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وشِقُّه مائل» (رواه أبو داود في النكاح باب القسمة بين النساء).
  4. شرع الإسلام الطلاق ولكن اعتبر أن الأصل فيه الحظر وليس الإباحة وقيده بجملة من القيود ومنها:
    • جعل الطلاق بيد الزوج وحده، فقال تعالى:﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ ( الطلاق : 1).
    • نهى عن طلاق التعسف، فقال الرسول (ﷺ) « لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ » (ابن ماجة ، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره).
    • دعا إلى التماس منهجية معينة قبل إيقاعه على المرأة التي لا تطيع زوجها وذلك بالوعظ والهجر والضرب غير المبرح، فقال تعالى ﴿ َاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً ﴾ ( النساء: 34).
    • أعطى المرأة الحق في التخلص من الحياة الزوجية، فشرع لها مخالعة زوجها مقابل مال تؤديه إليه، كما شرع لها أن تطلب التفريق بسبب عيب جنسي أو عقلي أو جسمي في الزوج، أو بسبب فقده أو حبسه.

إن الأولاد والبنون هم ثمرات الزواج الشرعي، والإسلام قرر لكل من الآباء والأبناء حقوقاً تجاه بعضهم بعضاً، فكما للوالدين حقّ على أبنائهم فإنّ للأبناء حقّ على والديهم ، ومن هذه الحقوق:

  1. حقوق الأبناء على الوالدين، ومنها:
    • حق الحياة ذكوراً وإناثاً لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ (الإسراء: 31).
    • حق النسب، قال تعالى: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ﴾ (الأحزاب: 5).
    • حق الأولاد في الاسم الحسن، قال الرسول (ﷺ) « إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ ، فَأحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ « (رواه أبو داود في الأدب، باب تغيير الأسماء).
    • حق الابن في الرضاعة والحضانة والولاية على نفسه وماله.
    • الحق في المساواة في المعاملة بين الأبناء، قال الرسول (ﷺ) «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادَكُمْ فِي النُّحْلِ كَمَا تُحِبُّونَ، أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ وَاللُّطْفِ » (رواه الطبراني في الكبير، وهو حديث حسن كما ذكره السيوطي في الجامع الصغير).
  2. حقوق الوالدين على أولادهم، ومنها:
    • الحق في البر بهم والإحسان إليهم أحياءً وأمواتاً، ويكون البر بهم أحياءً عند حاجة الوالدين إليه إذا تقدمت بهم السن، فيقول تعالى: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) ﴾ (الإسراء: 24-23) ، وأما بر الوالدين أمواتاً فيدل عليه ما رواه أبو أسيد الساعدي فقال: بينما نحن عند رسول الله (ﷺ) إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: « نعم؛ الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما» (رواه أبو داود في الأدب، باب بر الوالدين).

إن المقصود بذوي الأرحام الأقارب الذين يجمعهم بالشخص نسب ما، وأدق تعريفات الرحم من لا يجوز الزواج بها على التأبيد، وقد دعا الإسلام إلى صلة ذوي الأرحام لتقوية أواصر القربى بينهم، وجعلها الله صفة من صفات المؤمنين لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ (الرعد:21)، كما عدَّ الإسلام صلة الرحم باباً للرزق والذكر الحسن وطول العمر لقول الرسول (ﷺ) « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» (رواه البخاري في الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم )، ولا تتحقق صلة الرحم بمكافأة الزيارة بمثلها فحسب لقول الرسول (ﷺ) «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» (رواه البخاري في الأدب، باب ليس الواصل بالمكافئ)، كما أن الإسلام لم يجعل المال والهدايا من لوازم صلة الرحم؛ وذلك حتى لا يقطع الفقراء أرحامهم، وحتى لا يتحرّج أحد من وصل رحمه، ولكن يمكن للقادرين تقديم الهدايا لأرحامهم فالتهادي في الإسلام مستحب فقد قال الرسول (ﷺ) : "تهادوا تحابوا" (البخاري ، الأدب المفرد ، باب قبول الهدية ).

اختلفت نظرة المجتمعات والنظم إلى الأسرة ما بين منادٍ للقضاء عليها وزاهدٍ فيها وداعٍ إلى ترسيخها، ومن هذه المجتمعات:

  • الماركسية (الشيوعية): تنادي الماركسية بإلغاء الاسرة لافتقاد مبرر وجودها، فهي ترى بأن الرجل والمرأة عمال لدى الدولة ولا داعي لتربية الأطفال في جو أسري فالحضانة كافية لتقوم بهذه المهمة.
  • الغرب: إن الأسرة في الغرب مفككة ومهددة بالسقوط لأسبابٍ كثيرة منها: التشريعات الداعية الى مساواة المرأة بالرجل، ودعوة المرأة للعمل خارج البيت، وسياسة الاختلاط المفتوح، ومنع التعدد الشرعي للزوجات، والتردد في تشريع الطلاق بين الحظر والاباحة المطلقة.
  • النظام الإسلامي: يجعل النظام الإسلامي من الأسرة أساس البناء الاجتماعي، وتكمن أهمية الأسرة في الإسلام في النظر إلى المسؤولية المنوطة بها على صعيد التربية، وهي مسؤولية متعددة الأبعاد، ومن أبعادها:
    1.المسؤولية الدينية: وتتمثل في تعليم الطفل مبادئ الإسلام من صلاة وصيام وهو في السابعة من عمره، وكذلك تعريف الطفل بكتاب الله تعالى وبرسوله الكريم.
    2.المسؤولية الخُلقية: وتتمثل في تعليم الأطفال آداب الطعام والشراب والتعامل مع الآخرين ومع البيئة من حوله.
    3.المسؤولية العقلية: وتتمثل في دور الأسرة في تعليم الأبناء والبنات على حد سواء.
    4.المسؤولية النفسية: وتتمثل في دور الأسرة في تنشئة الطفل في ظل أسرة تقوم على الزواج الشرعي ليتحقق فيها جو من السكينة والمودة، وبهذا يتحقق للأطفال جو صحي ينعكس عليهما من الناحيتين العقلية والانفعالية.
    5.المسؤولية الاجتماعية: وتتمثل في دور الأسرة بتعريف الطفل بحقوق أبويه وأرحامه وجيرانه، وغرس القيم الاجتماعية مثل الشعور بالرحمة تجاه الآخرين من الفقراء والمساكين، والإيثار والتعاون، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تتفاوت نظرات الأمم السابقة للمرأة وفي تحديد مكانها في الإطار الاجتماعي، فكانوا قديماً يكرهون ميلادها فلا يقدم لمولدها القرابين خلاف مولد الذكر، ولم يكن لها الحق في اختيار زوجها، ولم تكن لها أي ولاية على مالها وليس لها حق في الميراث، وكانت كالأمتعة تباع وتشترى، وفي الفكر اليهودي فقد حملت المرأة مسؤولية غواية آدم بالأكل من الشجرة، وفي الفكر المسيحي كان هناك أقوال لرجال الكنيسة تحتقر المرأة وتقلل من شأنها، ومنها قول القديس ترتوليان (في السباعي ، 1999، ص 18): «أنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله مشوهة لصورة الله أي الرجل»، كما قال القديس سوستام (في السباعي ، 1999، ص 18): «أنها شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت».

أما الإسلام فهو الدين الوحيد الذي أعطى المرأة حقوقها ورفع من شأنها كثيراً، فعني الإسلام بها في مختلف أحوالها ومراحلها، فأكرمها بنتاً لقول الرسول الله (ﷺ): « مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا (يَعْنِي الذُّكُورَ) أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» (رواه أبو داود في الأدب، باب فضل من عال يتيما) ، وأكرمها زوجة فقال الرسول (ﷺ) « أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخيرُكُمْ خيرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ » (رواه الترمذي في الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها)، كما أكرمها أماً ويظهر ذلك من خلال حديث الرسول(ﷺ) « عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىّ (ﷺ) فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِى‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏أُمُّكَ‏)‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أُمُّكَ‏)‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أُمُّكَ‏)‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أَبُوكَ‏) » (مسلم ، باب بر الوالدين).

علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام
تقوم علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام على ثلاثة مرتكزات أساسية وهي:

إن التماثل بين الرجل والمرأة يعني المساواة بينهما، فجاءت نظرة الإسلام في المساواة بينهما نظرة معتدلة تتسق مع فطرتيهما وتبتعد عن النفاق، لأن المساواة المطلقة بينهما ظلم للرجل وظلم للمرأة، ومن مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام:

  • المساواة بين الرجل والمرأة في أصل التكوين، قال تعالى: ﴿ ويَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ (النساء: 1).
  • المساواة بين الرجل والمرأة في الكرامة الإنسانية مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ (الإسراء: 70).
  • المساواة بين الرجل والمرأة في التكليف والجزاء، فعلى المرأة ما على الرجل من تكليفات شرعية كالصلاة والصوم وغيرها.
  • المساواة في حق التملك لقوله تعالى: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ النساء: 32).
  • المساواة في حق التعليم، قال الرسول(ﷺ) «طلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ » (رواه ابن ماجة في العلم).
  • المساواة في حق الأهلية في مباشرة العقود أصالة ووكالة، فيجوز لها أن تباشر العقود بنفسها كأن تشتري سيارة أو بيتاً لها، كما يجوز أن يوكلها شخص ما لشراء بيت أو سيارة فتنوب عنه.

إن المساواة التي يقررها الإسلام بين الرجل والمرأة ليست مطلقة؛ فهناك مجالات تتحقق فيها المساواة بين الرجل والمرأة، وهناك مجالات يستقل فيها الرجل وأخرى تستقل بها المرأة، وهذا أمر طبيعي لأن الرجل والمرأة نوعان لجنس واحد، فهما يكملان بعضهما بعضاً كما يكمل الليل النهار، فالرجل والمرأة يلتقيان في بعض الأعمال ويفترقان في أعمال أخرى، وهذا الافتراق منشؤه اختلاف الخصائص بينهما؛ فالرجل بقوته وإدارته وعضلاته المفتولة يجلب الرزق للبيت، والمرأة بعطفها وحنانها ترعى بيت زوجها وتقيمه على أعمدة متينة من الحب والحنان والعطف والأخلاق، ولا يعني هذا أن خدمة البيت حكر على المرأة لا دخل للرجل فيها فمساعدته لزوجته لا تنقص من رجولته شيئاً، وكذلك فإن العمل خارج البيت ليس حكراً على الرجل فهي يحق لها أن تعمل خارج بيتها ولكن بشرط المحافظة على نفسها وعرضها.

لا يقصد بالتفاضل بين الرجل والمرأة المقارنة بين سيء وحسن، بل تكون المفاضلة بينهما في بعض الأعمال التي تستند غالباً إلى الاستعدادات الفطرية لكل منهما، ويكون التفاضل بينهما في أمور عدة منها:

  1. الأمور التي فضل فيها الشرع المرأة على الرجل، وهي:
    • جعل الإسلام بر الأم مقدماً على بر الأب كما ورد في الحديث الشريف: « عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىّ (ﷺ) فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِى‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏أُمُّكَ‏)‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أُمُّكَ‏)‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أُمُّكَ‏)‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أَبُوكَ‏) » (مسلم، باب بر الوالدين).
    • ضرب الأمثال، فالله سبحانه وتعالى عندما ضرب للمؤمنين مثلاً جعل هذا المثل من النساء فقال تعالى: ﴿ َضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَة فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ (التحريم: 11).
    • قدم الشرع النساء على الرجال في حضانة الأطفال؛ لما أودع الله فيهن من الرحمة والمودة والعطف.
  2. الأمور التي فضل فيها الشرع الرجل على المرأة ، وهي:
    • القوامة: فالشرع جعل الرجل قيماً على شؤون الأسرة، قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (النساء: 34)، والقوامة هنا تكليف وليست بتشريف، فرعاية المرأة والنفقة عليها وإدارة شؤونها قد جُعلت أمانة في عنق الرجل وعليه أن يحسن أداء هذه الأمانة ويكرمها ، فهذه القوامة هي رعاية ومودة ورحمة وليست تسلطاً وغلظة ونقمة.
    • الميراث: إن القاعدة العامة في الشرع أن للرجل مثل حظ الأنثيين، وذلك لأن الإسلام كلف الرجل بمسؤوليات كثيرة من نفقة على والديه وأسرته ورحمه وزوجته، مقابل ذلك لم يكلف المرأة بالإنفاق على أحد ولا حتى على نفسها ولو كانت غنية، ولو أنفقت من مالها على نفسها أو غيرها فهي صدقة لها.
    • الشهادة : قال تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ (البقرة: 282)، جاء الحكم في هذه الآية الكريمة بأن شهادة الرجل بشهادة اثنتين من النساء، وجاء هذا الحكم متسقاً مع بنية الشريعة الإسلامية والتي تجعل المعاملات خارج البيت من اهتمامات الرجل وخارج اهتمامات المرأة، وما كان خارجاً عن انتباه المرأة فلا تعيره انتباهاً، وبالتالي تكون معرضة فيه للخطأ والنسيان كما قال تعالى: ﴿ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ (النساء: 34)، والمقصود بالضلال عن الشهادة هو نسيان جزء منها وذكر جزء.
    • الدية: اختلف الفقهاء في تحديد الدية على قولين وهما:

      يرى جمهور الفقهاء أن دية المرأة على النصف من دية الرجل لأسباب عديدة منها:
      1. قياساً على الميراث، فميراث المرأة على النصف من ميراث الرجل، وكذلك ينبغي أن تكون الدية على النصف من دية الرجل.
      2. لأن الأضرار المترتبة على فقدان المرأة أقل من الأضرار المترتبة على فقدان الرجل من حيث المال والنفقه، فعندما يُفقد الرجل فإن الأسرة تخسر معيلها ومعينها .
      3. الإجماع السكوتي عند العلماء، فأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، فلم يعترض أحد من أصحاب المذاهب على هذا القول.

      عارض جماعة من الناس مثل ابن عليه والأصم من القدماء، والشيخ أبو زهرة من المحدَثين جمهور الفقهاء في رأيهم ويقولون أن دية المرأة مساوية لدية الرجل ، مستدلين على ذلك بما يلي:
      1. قول الرسول (ﷺ) «فِي النَّفْسِ المؤمنة مِائَةً مِنَ الإبلِ » (المروزي ، 1408ه ، 236) وتشمل النفس الذكر والأنثى.
      2. بطلان قياس الميراث على الروح التي هي عنوان الآدمية والكرامة، فلا وجه لقياس المال على الروح فهما مختلفان ومفترقان فلا يجوز القياس بينهما ولا القياس عليهما.
      3. لم يثبت دليل في القرآن ولا عن الرسول (ﷺ) يذكر أن دية المرأة على النصف من دية الرجل.

نشاط (1)
تتباين مواقف الثقافات المختلفة في نظرتها إلى المرأة وفي تحديد مكانها في الإطار الاجتماعي، عزيزي الطالب اكتب تقريراً قارن فيه بين مكانة المرأة في الإسلام ومكانتها عند الأمم الأخرى، وقم بمناقشته مع زملائك من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بالمقرر.

  • مقدمة
  • مفهوم النظام السياسي
  • حقوق الإنسان وحرياته
  • أصول النظام السياسي في الإسلام
  • علاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى
  • نشاط
  • اختبر نفسك

كان النظام السياسي موجوداً قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام نظمه ورتبه ووضع له قواعد وأصول مستمدة من الكتاب والسنة، فالسلطة السياسية مهمة في أي بلد من أجل إشاعة الأمن والتربية والتعليم، وتوزيع الأموال فيما بينهم وفض المنازعات والخصومات، وقد قام بذلك النظام الإسلامي خير قيام، ففي هذا الموضوع سنبين الحقوق والحريات التي كفلتها الدولة في الإسلام، وما هي الأصول التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام، وعلى ماذا تقوم العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول؟ وماهي المعاهدات والسفارات في الإسلام؟

بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراً على أن:

  • تبين مفهوم النظام السياسي .
  • توضح حقوق الإنسان وحرياته في الإسلام.
  • تبين أصول النظام السياسي في الإسلام.
  • تحدد العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول.
  • تبين أنواع المعاهدات وشروطها وموجبات نقضها.
  • توضح دور السفارات في الإسلام.

النظام السياسي : «هو مجموعة من الأجهزة والقواعد المترابطة والمتناسقة فيما بينها، تبين نظام الحكم ووسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها ومركز الفرد منها، كما تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها البعض والدور التي تقوم به كل منها» (بدوي ، 1972، ص 11).

  • الحق: هو اختصاص أي امتياز أومسؤولية يقرر به الشرع سلطةً أو تكليفاً، سواء كانت هذه السلطة على شخص كالولاية على القاصر، أو على شيء كحق الملكية. فمثلاً الطلاق في الإسلام هو سلطة بيد الرجل، أما النفقه فهي سلطة للمرأة وتكليف على الرجل.
  • الحرية: هي مجموع الحقوق والامتيازات التي تعترف بها الدولة للأفراد والجماعات فيها. والعلاقة بين الحق والحرية وثيقة؛ فالحق يتيح للشخص الوصول إلى حالة مميزة والحرية هي الرخصة التي تبيح له ممارسة هذا الحق، فمن حق الرجل الطلاق وهو حق ثابت دائم، ولكن الحرية تقتضي أن يوقع الرجل الطلاق فقط عند الضرورة والحاجة.

الحقوق والحريات التي كفلها الشرع الإسلامي لمواطني الدولة الإسلامية:

" وهو عدم جواز القبض على أحد الأشخاص أو اعتقاله أو حبسه إلا في الحالات المنصوص عليها في القانون، وذلك بعد اتخاذ جميع الإجراءات والضمانات التي حددها القانون" (بدوي ، 1972، ص 421)، وقد كفل الإسلام هذا الحق من وجوه كثيرة لكافة المواطنين من مسلمين وغيرهم، فنهى الإسلام عن ترويع المسلم، فقال الرسول (ﷺ): «لا يحل لمسلم ان يروع مسلماً»، (أبو داود ، باب من يأخذ الشيء على المزاح)، كما جعل الشرع حرمة دم المسلم أعظم من حرمة الكعبة المشرفة فقال الرسول (ﷺ) « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ (أي الكعبة المشرفة) » ( ابن ماجه ، باب حرمة دم المؤمن وماله ).

شرع الإسلام لمواطني الدولة الإسلامية حق الانتقال فيها من جهة إلى أخرى، فقد يكون تنقلهم طلباً للرزق، أو قد يكون طلباً للعلم، أو للسياحة، أو دفعاً لفتنة، أو لنشر الدعوة، أو لصلة الرحم أو لأي سبب آخر، وفي الوقت نفسه يحق لرئيس الدولة أن يقيد تنقل بعض الأفراد لاعتبارات مشروعة عملاً بالمصلحة العامة، كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب عندما حظر على كبار الصحابة الخروج من المدينة الى الأمصار المفتوحة حتى يتسنى له مشاورتهم في معضلات الأمور.

للمسلم الحق في التعلم والتعليم، وله الحق في إيصال علمه للآخرين، وأن يختار من المعلمين من يشاء، وقد ضرب الرسول (ﷺ) مثلاً رائعاً في تأمين فرص التعليم وذلك حين جعل شرط فكاك الأسرى المشركين في بدر قيامهم بتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة.

لقد كفل الإسلام حرية التعبير عن الرأي بوسائل كثيرة، منها:

  • مبدأ الشورى، فالشورى حق للمسلم، فقال تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ﴾ (الشورى: 38).
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي سمة من سمات المجتمع المسلم، قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ (التوبة: 71) .
  • الاجتهاد، أعطى الشرع للعلماء الحق في إبداء رأيهم فيما يعرض عليهم مستهدين بتوجيهات الشارع الحكيم، فقال تعالى: ﴿ ولَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ (الإسراء: 36) .
  • النصيحة لله ولرسوله ولجماعة المسلمين، فقال الرسول (ﷺ) «الدين النصيحة» (مسلم ، باب بيان أن الدين النصيحة).

كان لهذه الحرية التي منحها الإسلام لمواطنيه ثمارها الطيبة في توفير جو من الثقة والشعور بالاستقلالية والإحساس بالمسؤولية لدى الفرد المسلم، والأمثلة على ذلك كثيرة منها، عندما وقفت إمرأة مسلمة أمام عمر بن الخطاب ومنعته من تحديد المهور فوافقها وتراجع عن رأيه، وكذلك علاقة علي بن أبي طالب مع الخوارج الذين يكفرونه ويخالفونه الرأي ومع ذلك فلم يقاتلهم ولم يعلن الحرب عليهم.

يقوم النظام السياسي في الإسلام على جملة من الأسس والمبادئ والتي تمثل أصولاً ومرتكزات في إدارة نظام الحكم داخلياً وخارجياً، ومن هذه الأصول:

يعرف العدل بأنه الحكم في الرعية بعيداً عن الهوى والانحياز لفئة دون أخرى، ورفع المعاناة والظلم عن العامة، والعدل هو رسالة الإسلام العظمى لهذا حث الإسلام على العدل بأساليب كثيرة منها:

  • الأمر المباشر، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ (النحل: 90).
  • الثناء على أهل العدل، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ (الحجرات:9).
  • الخبر الذي يحمل معنى الأمر، كما ورد في قول الرسول (ﷺ) : «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ» وذكر أولهم «الإمام العادل» (رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة).
  • القصة، وقد ورد في القرآن الكريم قصص كثيرة عن العدل مع المسلمين وغير المسلمين، وفي قصة عمر بن الخطاب مع القبطي الذي تعرض للضرب مع ابن عمرو بن العاص لا تخفى على أحد، ويبقى التاريخ فخوراً بما قاله عمر بن الخطاب: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). فالعدل أساس البناء الاجتماعي وأساس البقاء حيث يقول الإمام ابن تيمية (1403ه) : « إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة»..

إن المساواة من قيم الإسلام الخالدة، وهي ملازمة للعدل الذي أمر الله به وجعله فريضةً من فرائضه، وتتضمن المساواة الأمور التالية:

  • المساواة أمام القانون، فمواطني الدولة الإسلامية متساوون أمام القانون، ولا يميزهم حسب ولا نسب ولا موطن ولا لون ولا مركز اجتماعي.
  • المساواة أمام القضاء، فجميع مواطني الدولة الإسلامية سواسية أمام القضاء من مسلمين وذميين.
  • المساواة أمام الوظائف العامة، يتساوى المواطنيين في توليهم للوظائف العامة، ولكن هناك استثناءات في هذا النوع من المساواة وهي:
    1. مساواة الرجل بالمرأة في تولي الوظائف العامة: هناك بعض الوظائف العامة التي لا يجوز للمرأة أن تتولاها مثل الرئاسة العامة للدولة لقوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ (النساء: 34)، وقول الرسول (ﷺ): « لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (رواه البخاري ، باب كتاب النبي (ﷺ) إلى كسرى وقيصر)، وفي المقابل لم تحرم المرأة من توليها بعض المناصب العامة في الدولة، فقد قرر أغلب الفقهاء جواز ترشح المرأة للمجالس النيابية والتشريعية. أما في القضاء، أجاز أبو حنيفة قضاءها في المعاملات، أما الطبري فقد أجاز لها القضاء مطلقاً قياساً على جواز فتواها.
    2. لا يجوز للذمي تولي رئاسة الدولة ولا رئاسة الوزراء لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ (النساء: 59)، فقوله تعالى (منكم) تعني أن ولاة أمور المسلمين يجب أن يكونوا من المسلمين، ولكن هناك بعض الفقهاء من يرخص للذميين تولي منصب الوزارة دون رئاسة الوزراء.

الشورى: هي تقليب الآراء وعرضها للوصول لأصوبها في مسألة شرعية ما.
والشورى واجبة على رئيس الدولة، واختلف الفقهاء في تحديد حكمها فمنهم من يرى أنها معلمة ولا يلزم الحاكم بها، بينما يرى جمهور الفقهاء أن رأي الأغلبية في المشورة أنها ملزمة للحاكم، وقد استدل القائلون بإلزامية الشورى بأدلة منها:

  • قوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ (آل عمران: 159).
  • قول الرسول (ﷺ) لأبي بكر وعمر « لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا» (أحمد ، 2001 ، 17995).
  • الشورى ملزمة؛ لأنها لو لم تكن ملزمة فإنها تصبح امراً صورياً لا معنى له، بل تكون طريقاً لممارسة الاستبداد.

  • السيادة لله : أي أن مصدر السلطة هو الله سبحانه وتعالى، أي أن نحكّم شرع الله في كل شأن من شؤون حياتنا.
  • السلطة للأمة : أي أن صاحب السلطة الذي له حق ممارستها هو الأمة أو الشعب، فالأمة لها الحق في اختيار الحاكم الذي يطبق شرع الله عليها.

فالله سبحانه وتعالى هو صاحب السيادة ومصدر السلطة في الإسلام، أما الشعب فهو من يمارس هذه السلطة.

من مسلمات الفكر الإسلامي وحدة الملة والتي يتبعها وحدة الأمة، فيقول تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ (الأنبياء: 92)، ووحدة الأمة الإسلامية لا تعني بالضرورة وحدة الجماعة الإسلامية؛ فالمسلم في ديار الكفار هو من الأمة الإسلامية وإن كان خارج حدود الدولة الإسلامية.
توجه النصوص الشرعية نحو وحدة الجماعة الإسلامية بناءاً على وحدة الأمة وهذا يعني وحدة الإمامة، حيث يجمع فقهاؤنا أنه لا يجوز تعدد الأئمة (الخلفاء) واستدلوا على ذلك من خلال:

  • قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ (الأنبياء: 92).
  • قول الرسول (ﷺ): «إ ِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا » (رواه مسلم في الإمارة باب إذا بويع لخليفتين).
  • إجماع الصحابة أنه لا يجوز عقد الإمامة إلا لواحد، وقد عرف الإمام الرازي الإمامة بأنها « رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص واحد من الأشخاص» (عودة ، 1981، ص 122).
  • قولهم أنه لو جاز عقدها لاثنين لجاز لثلاثة أو أربعة أو أكثر حتى يغدو في كل قرية أو مدينة إمام، وهذا هو الفساد بعينه.

الإمام أو الخليفة هو عبد لله خوله سلطة، فهو مسؤول أمام الله عن رعيته، فما من سلطة إلا ويقابلها مسؤولية، وما من مسؤولية إلا ويترتب عليها جزاء، وتتعدد جوانب مسؤولية الإمام في الإسلام وهي:

  1. المسؤولية الأخروية: وتتمثل في وقوفه أمام الله تعالى وسؤاله عن رعيته أعدل فيهم أم ظلم، فقال الرسول (ﷺ) محذراً الخلفاء والمسؤولين من ظلمهم رعيتهم « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » (رواه البخاري في الأحكام باب من استرعى رعية فلم ينصح).
  2. المسؤولية الدنيوية: وتقسم إلى قسمين وهما:
    • مسؤولية سياسية: تعني خضوع الحاكم للمساءلة عند تجاوزه حدود سلطاته بأن يتنكر لمبادئ الشريعة الإسلامية وقواعدها، أو لا يستهدف مصلحة المسلمين في أعماله، أو ظلمه واستبداده للرعية.
    • مسؤولية جزائية: وتعني خضوع الحاكم للقانون الإسلامي إذا اعتدى على حقوق الله أو حقوق العباد، ويترتب على هذه المسؤولية القول بعزل الإمام، فيقول الإمام الغزالي: « إن السلطان الظالم عليه أن يكف عن ولايته، وهو إما معزول أو واجب العزل….وهو على التحقيق ليس بسلطان» (الغزالي، 1967،ص 179).

إن من واجبات الحاكم أن يراعي حدود الشريعة ومبادئها في علاقته بالرعية، ولكم من حقه أيضاً على رعيته أن تقف بجانبه وتسمع له وتطيعه امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ (النساء: 59)، وقول رسول الله (ﷺ) : « عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ ، فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ ، إِلا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ ، فَمَنْ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ عَلَيْهِ وَلا طَاعَةً» (رواه البخاري ، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية)، وعلى الرعية أن تثبت ولاءها لراعيها ما دام في دائرة الحق، فإذا خرجت عليه فئة أو انشقت عليه طائفة من البغاة فيتوجب على المسلمين الوقوف بجانب الإمام ونصرته عليهم.

إن توسع الدولة الإسلامية والفتوحات التي انتشرت على بقاع كثيرة من الأرض فرض على الفقهاء تقسيم العالم إلى قسمين وهما:

  • دار الإسلام: هي جميع البلاد التي للمسلمين عليها سلطة، وتظهر فيها أحكام الإسلام.
  • دار الحرب: هي البلاد التي لا تربطها بالمسلمين عهود ولا مواثيق وليس أهلها من المحايدين.

اختلف علماء المسلمين في تحديد علاقة المسلمين بغيرهم من الدول على قولين:
القول الأول: يميل جمهور الفقهاء إلى أن الحرب شرعت ابتداءً فسواء اعتدى الكفار علينا أم لا فلا عاصم لهم منا، وهم يستدلون على رأيهم بما يلي:

  • قوله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ (التوبة: 29).
  • قول الرسول (ﷺ) « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ » (رواه البخاري في الإيمان، باب فإن تابوا وأقامو الصلاة).
  • إن تعاليم الإسلام جاءت لصالح الناس، فمن لم يقبل هذه التعاليم بالحسنى فعليه أن يخضع لها بالقوة.

القول الثاني: يرى الفريق الثاني أن الحرب شرعت للدفاع عن المسلمين، وهم يستدلون على ذلك بما يلي:

  • قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (البقرة: 190).
  • إن استقراء غزوات الرسول يدل على أن عمل الرسول(ﷺ) كان في نطاق الحرب الدفاعية المشروعة، سواء كان ذلك في حروبه مع العرب أم مع أهل الكتاب من يهود ونصارى.
  • إن القهر والإكراه ليسا من طرق الدعوة إلى الإسلام، بل إن ذلك يخلق ردود فعل معاكسة لدى الناس ضد الدين.

ليس كل أشخاص العدو في وضع يمكّنهم من القتال، فمنهم المدنيون من الشيوخ والنساء والأطفال ورجال الدين والعمال وغير المعنيين بقتال أحد، أما إذا وقع القتال فهنالك الأسرى والجرحى والجواسيس ولكل من هؤلاء أحكامه في الحرب كما يلي:

  1. المدنيون ورجال الدين، لا يجوز التعرض لهم ومقاتلتهم لقول الرسول (ﷺ) « وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً » (رواه البخاري، باب قتل الصبيان في الحرب).
  2. القتلى، لا يجوز التمثيل في جثثهم.
  3. الأسرى، ينبغي معاملتهم معاملة حسنة لقوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ (الإنسان: 8).
  4. الجرحى، يجب إسعافهم ويمنع إزهاق أرواحهم بقصد التخلص منهم لقول علي رضي الله عنه: (لا يتبع مدبر، ولا يقتل أسير، ولا يذفف على جريح).(البغوي ، باب قتال الخوارج).
  5. الجاسوس، أمر النبي (ﷺ) بقتله لأن خطره عظيم على المسلمين.

إن تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب لا يمنع من عقد اتفاقيات بين هاتين الدارين، فإذا وقعت معاهدات بين الطرفين تنشأ دار جديدة وهي دار العهد. وتعرف المعاهدات في الإسلام بأنها الاتفاقات والمواثيق التي تعقدها الدولة الإسلامية مع غيرها، سواء تعلقت بوقف قتال أو بتوثيق علاقات اقتصادية أوثقافية أو غير ذلك.
وبما أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم وليس الحرب فإن مسألة عقد معاهدات مع الحربيين مسألة مشروعة ومقبولة، وتدعو النصوص الشرعية إلى احترام عهودنا مع الآخرين لقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ (الإسراء: 34)، كما أقر الرسول (ﷺ) مبدأ المعاهدات وأجرى عدداً منها مع القوى السياسية في المدينة وما حولها ومن أبرزها صلح الحديبية.

يشترط في المعاهدات في الدين الإسلامي أمور عدة منها:

  • ألا تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها المقررة لقول الرسول (ﷺ) «وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا » (رواه الترمذي في الأحكام باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس).
  • أن تكون عن رضا واختيار بعيداً عن الإكراه والإجبار، فكيف يفرض على المسلمين الوفاء بعهود صودرت فيها إرادتهم وانتفى فيها اختيارهم؟
  • أن تكون هناك مصلحة مشروعة للمسلمين بأن تحقق لهم منفعة ظاهرة، أو تبعد عنهم ضرراً متحققاً بسبب ضعفهم وتمزقهم، فقال تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ (محمد: 35).
  • أن تكون نصوصها واضحة بحيث لا تحتمل التأويلات المتباينة فتكون مثاراً للخلاف والتنازع بين الخصوم.
  • من الفقهاء من اشترط توقيت المعاهدة، فعند الشافعي لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين كما فعل النبي (ﷺ) عام الحديبية، وإن هودن المشركين أكثر من عشر سنين تنقض المعاهدة.

تقسم المعاهدات في الإسلام إلى نوعين:

  1. المعاهدات الدائمة: وهي عقد الذمة؛ وهي عقد يتم بين السلطة الإسلامية وبين أهل الكتاب المقيمين على أرض الدولة فيلتزم الذميون خلالها بدفع الجزية.

  2. المعاهدات المؤقتة: هي المعاهدة المؤقتة بمدة معلومة، وتكون إما مع عدد محصور من الناس وتسمى في هذه الحالة بعقد الأمان ، وإما أن تكون مع عدد غير محصور من الناس وتسمى في هذه الحالة بعقد الهدنة.

تنقض المعاهدة بأمور عدة ومنها:

  • انتهاء مدتها، لقوله تعالى: ﴿ فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ (التوبة: 4).
  • نقض المعاهدين للمعاهدة فعلاً، وفي هذه الحالة يجوز للإمام أن يهاجم الناقضين لعهودهم دون سابق إنذار كما فعل الرسول (ﷺ) مع أهل مكة حين نكثوا صلح الحديبية، فقال تعالى: ﴿ وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ﴾ (التوبة: 12)، أما إذا أحس الإمام منهم بوادر الغدر فلا يجوز له مهاجمتهم فوراً، بل يجب أن يبلغهم قراره بإنهاء المعاهدة أولاً، فيقول تعالى: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ (الأنفال: 58).
  • إذا كانت شروط المعاهدة مجحفة بحق المسلمين، وفي هذه الحالة يجب على المسلمين إبلاغ الطرف الآخر بنيتهم بإنهاء المعاهدة.

إن قيام الحرب بين المسلمين وغيرهم لا يمنع من إجراء الاتصالات بين الطرفين، ويقوم الممثلون السياسيون للدولتين بمهمة التفاوض للوصول إلى ترتيب معين بشأن الحرب، وكان الرسول (ﷺ) يرسل رسله (سفراءه) إلى الدول المجاورة للقيام بأمور عدة منها:

  • الدعوة إلى الإسلام.
  • إعلان الحرب.
  • عقد المعاهدات.

أمثلة على السفراء في الإسلام:
دحية الكلبي أرسل إلى قيصر الروم.
عبد الله بن حذافة السهمي أرسل إلى كسرى ملك الفرس.
عمرو بن أمية الضمري أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة.

نشاط (1)
من المعاهدات التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش صلح الحديبية ،ناقش مع زملائك بنود هذا الصلح وموقف الصحابة منه ونتائجه من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بالمقرر.

  • مقدمة
  • مفهوم النظام الاقتصادي
  • الملكية في الإسلام
  • توزيع الثروة
  • التنمية الاقتصادية
  • اختبر نفسك

اهتم الإسلام بتنظيم الأمور الاقتصاديّة بين البشر، وتم الاعتماد على العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في صياغة العديد من القواعد الأساسيّة لنظام الاقتصاد الإسلامي، وبدراستك لهذا الموضوع ستتعرف على مفهوم النظام الاقتصادي في الإسلام، وما المقصود بالملكية وما هي أنواعها وكيف نظر الإسلام لها، وكيفية توزيع الثروة في الإسلام مقارنةً بالنظم الأخرى، كما سنبين وسائل التنمية الاقتصادية ومرتكزاتها.

بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراً على أن:

  • تبين مفهوم النظام الاقتصادي.
  • توضح طبيعة الملكية في الإسلام وأنواعها.
  • تقارن بين منهج الإسلام في توزيع الثروة وبين مناهج الأنظمة الأخرى.
  • تحدد وسائل تحقيق التنمية الاقتصادية.

النظام الاقتصادي: « هو مجموعة الأحكام والمبادئ والقواعد الشرعية المتعلقة بعمليات الإنتاج والاستثمار والتبادل والاستهلاك، وما تتضمنه من علاقات إنتاجية بين الإنسان والأشياء، وعلاقات إنسانية بين الإنسان والإنسان » .(المبارك ، د ت ، ص 136).

يعرّف الملك اصطلاحاً: هو اختصاص ، حاجز شرعاً يخول صاحبه التصرف إلا لمانع (الزرقا، 1961).

تتلخص طبيعة الملكية من المنظور الإسلامي كالآتي :

  • أن المالك الحقيقي والأصلي للسماء والأرض وما فيهن من أشخاص وأشياء هو الله سبحانه وتعالى، فيقول تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ﴾ (المائدة: 120).
  • إن الله تعالى قد استخلف بني آدم في هذا الكون استخلافاً عاماً، أي جعل لهم سلطاناً على ما فيه وسخره لهم، ومنحهم من القوى العقلية والجسمية ما يمكنهم من الانتفاع به واكتشاف أسراره وقوانينه، فيقول تعالى: ﴿ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ (الحديد: 7).
  • أن الله تعالى قد منح الأفراد حق التملك نتيجة سعيهم وكسبهم، فيقول تعالى: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ِ ﴾ (النساء: 32).

إن الملكية في الإسلام يجتمع فيها ثلاثة حقوق وهي: حق الله، وحق الجماعة، وحق الفرد، لهذا يقول المصطفى (ﷺ): «لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربع: عن عُمُره فيمَ أفناه، وعن عِلْمِهِ ما عمِل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ؟» (رواه الترمذي، في صفة القيامة، باب في القيامة ).

تقسم الملكية بحسب مالكها إلى ثلاثة أنواع وهما:

  1. الملكية الخاصة: هي التي تنسب إلى فرد أو جماعة على سبيل الاشتراك.
  2. الملكية العامة: هي من يكون صاحبها مجموع الأمة أو جماعة منها، بحيث يكون الانتفاع بالأموال لهم جميعاً دون اختصاص بها من أحد. ومن صورها:
    • ملكية المرافق الأساسية ذات النفع العام كالأنهار والطرق العامة والمراعي والأحراج.
    • أرض الموات: وهي الأرض غير العامرة التي لا يوجد لها مالك معين.
    • أرض الحمى: وهي الأرض التي يحميها الخليفة لمصلحة عامة.
    • الأراضي الموقوفة على جهات الخير.
    • الأراضي المفتوحة.
  3. ملكية الدولة: وتسمى أيضاً ملكية بيت المال ومن صورها:
    • زكاة الأموال الظاهرة والباطنة.
    • خمس الغنائم والمعادن.
    • اللقطات وتركات المسلمين الذين لا وارث لهم.
    • الجزية التي تؤخذ من أهل الذمة.

تعد مشكلة توزيع الثروة من القضايا الرئيسية على مستوى الوطن والأمة، واختلفت الأساليب المتبعة في توزيع الثروة من نظام لآخر، وتظهر عظمة التشريع الإسلامي من خلال تعرفنا على كيفية توزيع الثروة في الأنظمة المختلفة مقارنةً بالنظام الإسلامي.

يقوم توزيع الثروة في النظام الرأسمالي على قواعد عدة ومنها:

  • الإيمان بمبدأ الملكية الخاصة لعناصر الإنتاج من أرض وآلات ومبانٍ.
  • الإيمان بمنح الحرية للفرد لاستغلال ملكيته بالصورة التي يراها مناسبة وشعارها في هذا ( دعه يعمل، دعه يمر)، لكن هذه المبادئ كفيلة بأن توجد في المجتمع فوارق شاسعة بين أفراده وطبقاته؛ فمنهم فئة تملك المليارات وفئة لا تملك ما يكفيها؟! فهذه المجتمعات فيها وفرة في الإنتاج ولكن هناك سوء في التوزيع.

تقوم المبادئ الاشتراكية في توزيع الثروة على عدة مبادئ منها:

  • محو الطبقية وذلك من خلال القضاء على الطبقة الرأسمالية.
  • استلام البروليتاريا (الطبقة العاملة) للحكم، واتخاذ الدكتاتورية سبيلاً لتحقيق أهدافها.
  • تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج واعتبارها ملكاً للأمة والجماعة.
  • قيام التوزيع على قاعدة (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله).

ولا تختلف الشيوعية عن الاشتراكية في المبادئ السابقة إلا في أمرين وهما:

  • تدعو الشيوعية إلى اضمحلال الدولة والمؤسسات القانونية.
  • تتبنى الشيوعية شعار (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته).

للإسلام فلسفته الخاصة في توزيع الثروة، سواء ما تعلق بالمصادر الأساسية للإنتاج كالأرض، أو ما تعلق بالسلع المنتجة، وللإسلام أحكامه التي تتناول مختلف هذه السلع والأموال، وذلك عن طريق تنظيم أمور الزكاة والجزية والخراج والغنائم والفيء والكفارات والوصايا والمواريث كالآتي:

  1. الزكاة: تؤخذ بنسب معينة من الثروة الزراعية والحيوانية والنقود، وأحكامها جاءت مفصلة في كتب الفقه، أما مصارفها فتحدد فيما ورد في الآية الكريمة، قال تعالى ﴿ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ (التوبة: 60).
  2. الجزية والخراج: تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ومن كان على شاكلتهم من المجوس، وهي ضريبة تؤخذ على الرؤوس لقاء حمايتهم وتأمينهم في ديار الإسلام، أما الخراج فيؤخذ من أصحاب الأراضي المفتوحة، وهي ضريبة إما تفرض على الأرض نفسها ويسمى خراج الوظيفة، أو تفرض على ناتجها ويسمى خراج المقاسمة.
  3. الغنائم والفيء: الغنائم هي ما يؤخذ من أموال العدو عنوة عن طريق القتال، وأما الفيء ما يؤخذ منهم دون قتال، وبين القرآن الكريم كيفية توزيع الغنيمة في الإسلام، حيث يؤخذ من الغنيمة خمسها ويوزع على من ورد في قوله تعالى: ﴿ واعْلَمُوا آنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ (الأنفال: 41)، وأما أربعة الأخماس الأخرى فتعطى للمقاتلين.
  4. الكفارات والنذور: تصرف للفقراء والمساكين.
  5. الإرث: يقسم تقسيماً عادلاً وبنسب شائعة كما ورد في قوله تعالى: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴾ (النساء: 7).

يقوم المنهج الإسلامي في توزيع الثروة العامة على المرتكزات والمبادئ التالية:

  • ضمان تحقيق حد الكفاية وليس حد الكفاف لأفراد المجتمع المسلم، فالإسلام لا يكتفي بتأمين حد الكفاف الذي يقتصر على سد الضّروريات القصوى من مطعم ومسكن وملبس، وإنما يسعى لتأمين حد الكفاية إلى ما يليق بحال الإنسان لتأمين العيش الرغيد لأفراده وجماعاته .
  • عدم السماح بكنز المال امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (التوبة: 34) ، والكنز يطلق على المال الذي لم تؤدَّ زكاته، أما المال الذي يزكى عنه فليس كنزاً.
  • عدم السماح باستئثار أقلية من المجتمع بخيراته، فلا يجوز أن تتركز الثروة بيد فئة دون أخرى، بحيث يضمن عدم حصول طبقية تخلخل قوة وثبات وتماسك المجتمع ، فيحقد الغني على الفقير ، فيقول تعالى: ﴿ لّكَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ﴾ (الحشر: 7).
  • إعادة التوزيع عند افتقاد التوازن، ومن أبرز النماذج الإسلامية الرائدة في إعادة التوزيع ما فعله الرسول (ﷺ) في المجتمع الإسلامي في المدينة بعد الهجرة من إعلان المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، حيث اقتسموا أموالهم وأرزاقهم بينهم.

التنمية الاقتصادية: ”هي عملية استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة للمجتمع في تحقيق زيادات مستمرة في الدخل القومي تفوق معدلات النمو السكاني، مما يؤدي إلى إحداث زيادات حقيقية في متوسط نصيب الفرد من الدخل وفي توزيع عناصر الإنتاج.“ (يونس، 1987،ص 321).

وسائل التنمية الاقتصادية ومرتكزاتها
لا بد للتنمية الاقتصادية الفاعلة من مرتكزات تقوم عليها ووسائل تؤخذ بها، ومن أبرز هذه المرتكزات والوسائل:

  1. التشغيل الكامل للمال: يتضح المنهج الإسلامي في تشغيل المال من خلال مجالات كثيرة أهمها:
    • محاربة كنز الأموال وحجبها عن التشغيل.
    • تشريع الزكاة.
    • الدعوة المستمرة إلى إحسان الشيء وإتقانه.
  2. اعتبار التنمية الاقتصادية مسؤولية شاملة: تتسم التنمية الاقتصادية بالشمولية؛ لأنه يشترك في القيام بها الأفراد والجماعات والدولة، فيقول تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ (التوبة: 105).
  3. الأخذ بالأساليب العلمية والتقنية: إن التقنية تعني تطبيق المعرفة العلمية لحل احتياجات الإنسان المادية وتيسير سبل الحياة.
  4. ترشيد الاستهلاك: إن الاعتدال في الاستهلاك سمة بارزة من سمات المجتمع المسلم، وقد حث الشرع على ضبط الإنفاق وترشيده كما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” كُلْ مَا شِئْتَ ، وَأَلْبِسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأْتُكَ اثْنَتَانِ : سَرْفٌ أَوْ مَخْيَلَةٌ“ (رواه البخاري في اللباس في فاتحته)، والدعوة إلى الترشيد لا تتوجه إلى الأفراد فحسب، بل تتناول الحكومات ورجال الدولة والمسؤولين ومؤسسات الدولة.
  5. وجود الحوافز: يقيم الإسلام للحوافز في مجال التنمية اعتباراً خاصاً، وأول هذه الحوافز هي الاعتبار الديني وما يترتب على التنمية من ثواب عظيم لكل من يسهم فيها، ونلمس وجود الحوافز في الدعوة إلى استصلاح الأراضي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ “ (رواه الترمذي في الأحكام، باب ما ذكر في إحياء الأرض الموات).

  • مقدمة
  • التربية الإسلامية وأهدافها
  • وسائل التربية الإسلامية
  • أعلام التربية الإسلامية
  • المبادئ العامة للتربية الإسلامية
  • الأخلاق الإسلامية
  • نشاط
  • اختبر نفسك

جاء الإسلام شاملاً لكل جوانب الحياة وصالحاً لكل زمان ومكان، وقد تحدثنا في المواضيع السابقة كيف نظم الإسلام المجتمع في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أما في هذا الموضوع سنتناول البعد التربوي الأخلاقي، وسنبين فيه مفهوم التربية والأخلاق، ومبادئ التربية في الإسلام وأهدافها، ثم سنتوقف عند أهم أعلام التربية في الإسلام، ثم سنوضح مفهوم الأخلاق وثمارها وفوائدها.

بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراً على أن:

  • تبين مفهوم التربية الإسلامية وأهدافها.
  • توضح وسائل التربية الإسلامية.
  • تحدد أشهر علماء التربية في الإسلام وكتبهم في هذا المجال .
  • توضح الأخلاق الإسلامية وأدلتها وفوائد التمسك بها.
  • تتبنى الأخلاق الإسلامية من رحمة وتواضع وصبر وتمارسها في حياتك.

تعريف التربية الإسلامية
التربية الإسلامية: هي إعداد الإنسان المسلم لحياتي الدنيا والآخرة إعدادا كاملاً من جميع النواحي، وفي جميع مراحل نموه في ضوء المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام.

أهداف التربية الإسلامية
تستهدف التربية الإسلامية إعداد الإنسان المسلم الصالح العابد، فالعبادة هي الهدف الأسمى للوجود الإنساني، فيقول تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾  (الذاريات: 56 )، ويتفرع من هذا الهدف الأساسي للتربية الإسلامية أهداف فرعية عدة ومنها:

  • بناء شخصية المسلم بصورة شاملة ومتوازنة في جميع أبعادها العقلية والجسمية والاجتماعية والنفسية والروحية.
  • إكساب المسلم التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة.
  • تركيز الإيمان بالله تعالى في نفس الفرد المسلم عن يقين وتبصر واقتناع.
  • تحقيق الاطمئنان النفسي والتوازن الشخصي في نفس الفرد المسلم.
  • تعميق ولاء المسلم لدينه واعتزازه به كونه المنهج الإلهي الأكمل والأمثل.
  • تنمية القيم والاتجاهات السليمة في نفس المسلم.
  • تنمية الوازع الديني في نفس المسلم حتى ينطلق في حياته على بصيرة من أمره.

تتعدد وسائل التربية الإسلامية بتعدد أهدافها، ومن هذه الوسائل:

فهي المحضن الأول للطفولة، لهذا حرص الإسلام على حسن اختيار كل زوج للآخر؛ لما لهما من دور عظيم في تنشئة أطفال أسوياء أصحاء بعيدين عن القلق والتوتر، كما أنها القاعدة الأولى للتربية الخلقية لقول الرسول (ﷺ): « مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (رواه أبو داود في الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. وإسناده حسن)، والأسرة هي المسؤولة عن تحديد الاتجاه الديني مستقبلاً للأطفال فيقول الرسول (ﷺ): « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، وَيُنَصِّرَانِهِ ، وَيُمَجِّسَانِهِ » (رواه البخاري في الجنائز باب إذا أسلم الصبي).

وهي المدارس والكليات والجامعات، فرسالة المؤسسات التعليمية لا تتوقف عند حدود التعليم، فهي تهتم اهتماماً كبيراً بالجانب التربوي من خلال النشاطات الموجهة الهادفة، فحرصت الدولة الإسلامية على تأسيس المدارس والجامعات، فنشأت مدارس عريقة كبيرة في تاريخنا الإسلامي مثل: المدرسة النظامية (نسبة لنظام الملك)، والمدرسة النورية (نسبة لنور الدين زنكي)، كما برز عدد من الجامعات مثل: جامعة الأزهر وجامعة القرويين.

كانت المساجد الإسلامية مناهل ومنارات علم، تقوم بمهمة التثقيف الديني والتربية الدينية، ومن أشهر المساجد المعروفة المسجد النبوي في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى المبارك في القدس، والجامع الأموي في دمشق.

للمجتمع المسلم دور كبير في التربية يتمثل في الجوانب التالية:

  • إن للمجتمع المسلم الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • للمجتمع المسلم صلاحية التأديب وإيقاع العقوبة، ومن أمثلة ذلك كيف أوقع المجتمع المسلم عقوبة الهجر والمقاطعة على الثلاثة الذين تخلفوا عن المشاركة في غزوة تبوك.
  • مجتمع الرفاق الذي له تأثير واضح على سلوكيات الأفراد.
  • الدعوة إلى التعاون وتنمية هذه الروح في المجتمع المسلم، فقال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ (المائدة: 2). 

لا بد أن يكون المنهاج متكاملاً وفاعلاً ومنسجماً مع المرحلة النمائية للدارس ويتسم بتدرج المفاهيم وتكاملها، دون وجود تعارض في هذا المنهاج مع المنهج التربوي والأخلاقي.

من أشهر علماء التربية الإسلامية:

  1. ابن خلدون
  2. الغزالي
    • هو الإمام الجليل محمد بن محمد بن أحمد أبو حامد الغزالي الملقب ب حجة الإسلام، درس مختلف العلوم من فقه وأصول وفلسفة وتصوف وألف فيها كتب كثيرة، ومن أشهرها كتبه في مجال التربية كتاب ( إحياء علوم الدين ) الذي أودع فيه عصارة خبراته التربوية، ورسالته المشهورة (أيها الولد).

  3. القابسي
    • هو أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بالقابسي، كان حافظاً للحديث، ومن أشهر كتبه في التربية كتابه ( الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين )، فبين فيه حكم تعلم القرآن، وتعليم الأنثى، وإلزامية التعليم والسياسة التي ينبغي أن يتبعها معلم الصبيان وقضايا أخرى كثيرة، كما تأثر القابسي في كتابه برسالة (آداب المعلمين) لابن سحنون.

  4. الزرنوجي
    • هو الإمام الفقيه برهان الدين الزرنوجي، وهو أحد فقهاء الحنفية ، من أشهر كتبه في التربية ( تعليم المتعلم في طريق التعلم )، وقد تناول الكتاب موضوعات عدة منها فصل في ما هية العلم والفقه وفضله، وفصل في اختيار العلم والأستاذ والشريك وفصول أخرى.

  5. ابن جماعة
    • هو بدر الدين محمد بن ابراهيم بن سعد الله بن جماعة، ومن كتبه المشهورة في الأخلاق والتربية كتاب ( تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم )، وجاء هذا الكتاب على خمسة أبواب وهي: فضل العلم وأهله، آداب العالم في نفسه ومع شيخه ورفقته ودرسه، ومصاحبة الكتب وما يتعلق بها من الآداب، وآداب سكنى المدارس وما يتعلق بها.

  6. ابن سينا
    • هو الطبيب والعالم النفسي والفيلسوف المربي أبو علي الحسين بن عبدالله، الملقب بالشيخ الرئيس المعروف بابن سينا وهو ينتسب إلى الطائفة الإسماعيلية إحدى فرق الشيعة، وله كتب كثيرة أشهرها كتاب (القانون في الطب)، وكتاب ( السياسة ) في التربية والأخلاق وهو كتاب صغير ولكن تضمن ذخيرة تربوية هائلة.

هناك جملة من المبادئ التي تتسم بها التربية الإسلامية، منها:

أي وجوب التعلم على كل مسلم دون التفريق بين ذكر وأنثى، فيقول الرسول (ﷺ) «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِم» (رواه ابن ماجة، المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم).

فلا بد أن تتساوى الفرص أمام الراغبين في العلم دون تفريق بينهم بسبب جنس أو جاه أو مال وغيره.

عني المربون المسلمون بهذا الجانب عناية كبيرة، فكانوا بمثابة مرشدين تربويين يوجهون تلاميذهم إلى العلم النافع، وكان النبي (ﷺ) بيرا بقدرات واستعدادات ومواهب أصحابه ، فكان يعلمهم وينمي فيهم ما يحبون وما فيه يبدعون ، وكان أعلم الناس بهم ، ومن ذلك قوله (ﷺ) : «أرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ، إِلَّا أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُوعُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» (الحاكم في المستدرك ، ذكر مناقب زيد بن ثابت).

أي مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وهذا ما نبه إليه الرسول (ﷺ) بقوله «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ ؛ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ » (رواه مسلم في مقدمة صحيحه، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع).

ومن أرفق بنا من رسولنا الكريم حيث قال: «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده» (ابن ماجة، المقدمة ، باب الاستنجاء بالحجارة وابن حبان من حديث أبي هريرة)، وبالرغم من أن العلماء المسلمون أجازو ضرب الولد لكن قيدوه بعدد من الضوابط التي تضمن أن يكون الضرب من باب التأديب دون إلحاق أي أضرار.

فليس كل الوقت تعلم وجد، فلا بد من وقت للترويح والراحة واللعب، فها هو عبد الله بن مسعود يقول: « كان رسول الله (ﷺ) يتخولنا بها (الموعظة) مخافة السآمة علينا» (رواه البخاري ، باب كان النبي (ﷺ) يتخولهم بالموعظة)، أي أن النبي (ﷺ) كان يختار الوقت المناسب للموعظة ، وكان لا يطيل عليهم فيها حتى لا يملوا فيستفيدوا منها ويستوعبوها، واهتموا قديماً بالترويح واللعب فكانت التربية الرياضية مادة إجبارية في منهاج التربية الإسلامية، كما كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل الشام: ( علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية).

إن أهم ما يميز الثقافة الإسلامية الدعوة للالتزام بالأخلاق الفاضلة، فهي تقي الفرد والمجتمع من الوقوع في المهالك، وقد كان المصطفى (ﷺ) الأسوة والقدوة في التحلي بحسن الخلق، فالقرآن الكريم وصف خُلُقالرّسول عليه السلام بالعظيم كما ورد بالآية الكريمة: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (القلم: 4).

الأخلاق الإسلامية: هي السمات الحميدة التي يتحلى بها المسلم في تصرفاته وسلوكه وأعماله، وما ينتج عنها من قيم إسلامية سمحة وميسرة، وقد حث القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على التمسك بالقيم الفاضلة في مواضع كثيرة، منها: قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ (الحجرات: 10). وقول الرسول (ﷺ): « دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ» (أخرجه الحاكم، في كتاب الأحكام، رقم 7046).

للتمسك بالأخلاق الإسلامية الفاضلة فوائد عديدة، منها:

  • التمسك بالأخلاق الكريمة يسمو بالنفس ويطهرها ويصلحها، قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) ﴾ (الشمس: 10-7).
  • التمسك بالأخلاق يقود الفرد لحب الفضائل من صدق ووفاء وإيثار.
  • التمسك بالأخلاق ينمي في الشخص الضمير الذي يقوده إلى محاسبة النفس ومراقبتها.
  • تقوية أواصر المودة والإخاء بين أفراد المجتمع.
  • تنعكس الأخلاق على التعامل بين أفراد المجتمع فيحترم الناس بعضهم، ويقدرون آراء بعضهم، ويراعون كرامة الإنسان لأخيه الإنسان.

هناك عدد من الأخلاق الإسلامية التي يجب أن نتحلى بها ومنها:

  1. الرحمة: كتب الله رحمته على نفسه الكريمة إحساناً وامتناناً منه، فقال تعالى: ﴿ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ (الأنعام: 54)، وقد جسد الرسول (ﷺ) الرحمة في خلقه وفي دعوته وفي كل جوانب حياته، فقال تعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (آل عمران: 159)، ومن مظاهر الرحمة في الإسلام صلة الرحم، والشفقة على الضعفاء والمساكين، والعطف على الصغير واحترام الكبير، فيقول رسولنا الكريم (ﷺ): «لَيْسَ مِنَّاَ مَن لَم يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرنا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا» (ابن حنبل ، 2001، 6935).
  2. الحلم والتسامح والعفو: من سمات المسلم أن يضبط نفسه عند الغضب، فيقول الرسول (ﷺ):« لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» ( مالك ، باب ما جاء في الغضب)، ومن الأمثلة على العفو والتسامح موقف الرسول (ﷺ) مع قريش يوم الفتح، فما كان من رسولنا الكريم إلا أن يعفو عنهم ويسامحهم بعد أن عذبوه وأخرجوه منها فقال لهم «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»، و أمرنا الله سبحانه بأن لا نغضب وأن نصفح ونعفو في قوله سبحانه: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (آل عمران: 134).
  3. التواضع: وهو الخشوع لله، وخفض الجناح، ولين الجانب للناس، وقبول الحق ممن قاله أياً كان، وقد أمر الله سبحانه نبيه بالتواضع مع المؤمنين فقال تعالى:﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (الشعراء: 215)، والتكبر عكس التواضع وقد حذر النبي (ﷺ) المؤمنين من التكبر في الحديث الشريف: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» ( مسلم ، باب تحريم الكبر).
  4. الصبر: وهو من أهم الأخلاق الإسلامية التي اهتم الإسلام بها، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من 70 موقعاً، ووعد الله الصابرين بأجرٍ عظيم، فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ (الزمر: 10)، ويقول النبي (ﷺ): «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ » (ابن حبان ، باب إثبات الخير للمسلم )، وللصبر في الإسلام أنواع عدة، فهناك صبر في الطاعة عند مواظبتك واستمراريتك في أداء الصلوات، وصبر عن المعاصي، وصبر عند نزول النوائب وهو أعلى مقامات الصبر كموت إنسان عزيز، أو مرض وغيرها، فيقول النبي (ﷺ) «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (أبو داود ، باب الأمراض المكفرة).

نشاط (1)
شمل الدين الإسلامي كافة الأخلاق والمكارم الحميدة والخصال الطيّبة، وحبب من التخلق بها، عزيزي الطالب بين صفات الأخلاق الإسلامية والتي تجلعها أثبت من غيرها من الدّيانات والأعراف مستنداً على النصوص القرآنية الصريحة وأحاديث السنة النبوية، وناقش ذلك مع زملائك من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بالمقرر.

عزيزي الطالب، تناولنا في هذه الوحدة أوجه تنظيم الثقافة الإسلامية للمجتمع الإسلامي عبر أقسامها الخمسة، بينا في القسم الأول حيوية الفقه الإسلامي باعتباره المادة الأساسية لتنظيم المجتمع، ورأينا أن حيويته ترتد أساساً إلى طبيعة هذه الشريعة الإلهية الكاملة بما تتسم به من شمول ومرونة تفسح المجال للعقل الإنساني أن يجتهد في إطار المراجع الأساسية وهي الكتاب والسنة. ومن ثم تبينا جوانب عظمة التشريع في حديثنا عن الأنظمة الإسلامية بدءاً بالنظام الاجتماعي، فبينا مفهوم الإسلام للأسرة بكل ما يحمله هذا اللفظ من معاني الرباط والقوة، وهذا الترابط الأسري افرز حقوقاً تجسدها شبكة العلاقات الممتدة بين الزوجين وبين الأبناء والآباء وبين ذوي الأرحام بصورة تدفعنا إلى الدفاع عن هذا النظام، أما بالنسبة لمكانة المرأة في الإسلام فقد رأينا من خلال المقارنة أن الإسلام أحلها في موقعها الصحيح بعيداً عن دائرة الصراع بين الرجل والمرأة؛ فالمرأة نظير الرجل، وهما نوعان متكاملان تكامل الليل والنهار، والتفاضل بينهما إنما هو في مساحات محدودة اقتضتها طبيعة النوع البشري لكل منهما.

وفي القسم الثالث المتعلق بالنظام السياسي أبرزنا طائفة من حقوق الإنسان في الدولة الإسلامية، ومنها حق الأمن والتنقل والتعليم وحق إبداء الرأي، ثم بيننا أصول هذا النظام من عدل ومساواة وشورى وكون السيادة لله والسلطة للأمة، ووحدة الأمة والإمامة، ومسؤولية الخليفة أمام الله والأمة، ووجوب طاعته ونصرته ما دام يحكم بشرع الله، وهي مبادئ جديرة بإحيائها والدفاع عنها. وفي القسم الرابع الخاص بالنظام الاقتصادي عالجنا موضوعات ثلاثة، أولها الملكية وأنواعها ووظيفتها، أما الموضوع الثاني فيدور حول توزيع الثروة في الإسلام مقارناً بما في الأنظمة الأخرى، أما الموضوع الثالث فهو التنمية الاقتصادية والتي وتظهر أهميته –في أيامنا هذه- لضعف التنمية في بلادنا الأمر الذي دفع بنا للحديث في وسائلها ومرتكزاتها . أما القسم الخامس فقد تناولنا فيه النظام التربوي، فبينا مفهوم التربية الإسلامية وأهدافها وتبين لدينا أن هدفها العريض هو تكوين الإنسان الصالح، ثم تحدثنا في وسائلها ووسائطها كالأسرة والمسجد والمدرسة والمجتمع، كما تحدثناعن الأخلاق الإسلامية حيث بينا أهميتها في ديننا و فوائدها على الفرد والمجتمع.

نشاط الوحدة
نظم الإسلام كافة جوانب حياة المسلم، وهدفت كافة شرائعه وأحكامه إلى أن يصل الفرد والجماعة إلى تحقيق السعادة في الحياة وبعد الممات، عزيزي الطالب اختر أحد الأنظمة التي بيناها في هذه الوحدة وبين مدى تطبيق شرع الله في تنظيم هذا الجانب في حياتك العملية، وناقش ذلك مع زملائك من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بالمقرر.

نشاط

ابن تيمية، أحمد. (1403ه). الاستقامة . تحقيق : محمد رشاد. (ط.1). المدينة المنورة، السعودية: جامعة الإمام ابن سعود.
بدوي، ثروت. (1972). النظم السياسية . القاهرة، مصر: دار النهضة العربية.
جامعة القدس المفتوحة. (2014)، مقرر الثقافة الإسلامية . عمان، الأردن: جامعة القدس المفتوحة.
الزرقا ،مصطفى . (1961). المدخل الفقهي العام . (ط.7). دمشق، سوريا: مطبعة جامعة دمشق.
السباعي، مصطفى. (1999). المرأة بين الفقه والقانون . (ط.7 ). بيروت، لبنان: دار الوراق.
عودة، عبدالقادر. (1981). الإسلام وأوضاعنا السياسية . بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة.
الغزالي، محمد. (1967). إحياء علوم الدين . القاهرة، مصر: مؤسسة الحلبي.
القرضاوي، يوسف. (1993). شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان . (ط.2). القاهرة، مصر: دار الصحوة.
المبارك، محمد وآخرون. الثقافة الإسلامية المستوى الثالث . مكة،السعودية: مطابع جامعة أم القرى.
يونس، عبدالله. (1987). الملكية في الشريعة الإسلامية ودورها في الاقتصاد الإسلامي . (ط.1). الاسكندرية، مصر: مؤسسة شباب الجامعة.

جامعة القدس المفتوحة
مركز التعليم المفتوح - OLC
تابعونا
الدعم والمساندة