تبين هذه الوحدة الصلة والعلاقة بين الإنسان وخالقه، وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وعلاقة الإنسان بالكون والحياة. وتهدف إلى إيجاد وعي علمي صحيح بحقيقة الإسلام وذلك حتى يكون المسلم مدركاً لعقيدته عالماً بشتى جوانبها وأبعادها، كما تهدف إلى إيجاد المسلم القوي الصالح الذي يعمر هذا الكون .
- تبين علاقة الإنسان بالله-سبحانه وتعالى- وذلك من خلال الإيمان بالله والعمل الصالح.
- توضح علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وذلك من خلال القيم والمبادئ التي رسمها الله.
- تحدد علاقة الإنسان بالكون وما فيه من أرض وسماء وحيوان ونبات.
- تبين العلاقة الوحيدة بين الحياة الدنيوية والأخروية.
- تبين دور الثقافة الإسلامية في تنظيم العلاقات الإنسانية.
- تستشعر عظمة الدين الإسلامي في تنظيمه لعلاقات الإنسان.
عزيزي الطالب، اضغط على الخريطة الآتية لتتعرف على أهم الموضوعات التي تناولتها الوحدة.
للتعرف على تفاصيل الوحدة، يمكنك تصفح الموضوعات التالية:
- مقدمة
- مفهوم الإيمان وثماره
- مفهوم العبادة وثمارها
- اختبر نفسك
إن أعظم وأكبر حقيقة في هذا الوجود هي حقيقة الخالق المدبر سبحانه، لهذا فإن أسمى العلاقات هي علاقة الإنسان بخالقه التي تقوم على الإيمان الذي يجب أن يستقر في النفوس، ثم انقياد عباده لما يأمر به خالق الكون والإنسان.
بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراً على أن:
- تعرّف مفهوم الإيمان .
- تبين سبل الوصول للإيمان .
- توضح ثمار الإيمان .
- توضح مفهوم العبادة وشروطها .
- توضح شروط تحويل العمل العادي إلى عبادة.
- تبين ثمار العبادة.
الإيمان بالله : هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، أي هو عقد و قول و عمل .
إن الإيمان بالله يشكل لدى الإنسان حاجة أساسية سواء من الناحية العقلية أو من الناحية الفطرية أو من الناحية العاطفية، فالإنسان منذ أن وجد على سطح الأرض وهو يتساءل من أوجدني؟ ولماذا أوجدني ؟ وأين المصير؟ فهده الأسئلة تبقي موضوع الإيمان حياً في النفوس، وأن أول ما يجب على الإنسان ليكون مؤمناً أن يكون موقناً من قلبه بوجود الله تعالى، وتختلف السبل للوصول إلى هذا الإيمان ، ومن هذه السبل:
- العقل والفكر.
- العاطفة.
- الوراثة.
- الفطرة التي اعتمد عليها الإسلام في إثارة الإيمان والتي هي مزيج بين العقل والعاطفة .
الإيمان العميق يتبعه دوماً ثماره الطيبة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الثمار:
- تحرير الإنسان من العبودية لغير الله والخضوع لسواه.
- تحرير النفس من سيطرة الآخرين والخوف منهم.
- الإيمان بالله يملأ النفس طمأنينة وسكينة وثقة.
- الإيمان يجعل الإنسان حريصاً على تطبيق شرع الله في كل ما يقول ويفعل ويفكر.
يقضي الإيمان من الإنسان أن يعرف صفات الله تعالى، لأنه إذا لم يعرف أن الله واحد لا شريك له في ألوهيته فكيف يرتدع عن طأطأة راسه ومد يده إلى غير الله؟ وكذلك إن لم يكن موقناً بأن الله سميع عليم بصير بكل شيء فكيف يمسك عن معصيته والخروج عن أمره؟ وليس المقصود بقضية الإيمان وجود إله فحسب فهذه مسألة لا تجادل فيها الفطر السليمة ولا العقول المستقيمة، وإنما المقصود الإقرار بالوهيته وربوبيته وقوامته على البشر بلا شريك، أي الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه وحده يستحق أن يفرد بالعبادة، وأنه المتصف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص، فهو الخالق، خلق الكون وخلق الإنسان وسخر ما في السموات والأرض لهذا الإنسان، والقرآن الكريم يبين هذه الحقيقة في كثير من آياته، فقال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ (الأنعام: 1).
العبادة :
هي
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
ولقبول العبادة من الله يشترط أن يتحقق فيها أمران:
- المشروعية: أي الالتزام بما شرعه الله ودعا إليه رسله أمراً ونهياً.
- النية: أي أن تصدر من قلب يحب الله سبحانه وتعالى.
يدخل في مجالات العبادة كل الأعمال الاجتماعية النافعة، وعمل الإنسان في معاشه عبادة إ ذا حقق الشروط التالية:
- أن يكون العمل مشروعاً في الإسلام.
- أن تصحبه النية الصالحة.
- أن يؤدي العمل بإتقان.
- أن يلتزم فيه حدود الله فلا يظلم ولا يخون ولا يغش، ولا يجور على حق أحد.
- أن لا يشغله عمله عن واجباته الدينية.
الغاية من العبادة هي طاعة الله وطلب رضاه، وليس معنى هذا أن ليس لها فوائد وثمار وحكماً عاجلة وآجلة،. فهناك ثمار كثيرة للعبادة منها :
- إعداد المسلم للقيام بوظيفته (تنفيذ أوامر الله).
- العبادة تقوي العقيدة وتحميها.
- العبادة تذكر المسلم بتعاليم دينه الأساسية.
- العبادة غذاء للروح وراحة للجسد.
- العبادة الحقة شكر لله تعالى، فنعم الله لا تعد ولا تحصى والإنسان مأمور بشكر المنعم سبحانه.
- مقدمة
- وحدة النشأة والمصير
- وحدة الهدف
- العدل
- التكافل الاجتماعي
- المساواة
- الرحمة والتراحم
- الصحبة
- اختبر نفسك
الإسلام بشريعته وأخلاقه أقام نظام علاقاته الإنسانية على أسس واضحة وقيم ثابتة صالحة لكل زمان ومكان، هذه العلاقات الفريدة لن تجد لها مثيلاً في كل القوانين الوضعية والأعراف الدولية، لذا كتب الله لها الخلود والثبات حتى غدت النموذج الجديد لحضارة الإنسان، فأقام الإسلام بين الإنسان وأخيه الإنسان علاقة مستقيمة أصيلة ترقى بالإنسانية إلى العلا وتعطي الإنسانية معناها الحقيقي. فوضع الإسلام للعلاقات الإنسانية قواعد ثابتة تتصل بعقيدتنا وتقوم على الرحمة والصدق والعدل وغيرها من الصفات، ومن القواعد التي تحكم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان: وحدة النشأة والمصير، وحدة الهدف، العدل، التكافل الإجتماعي، المساواة، الرحمة والتراحم، الصحبة. وسوف نتعرف عليها بالتفصيل في هذا الموضوع.
بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراً على أن:
- توضح نشأة الإنسان ومصيره.
- تميز بين الأهداف القريبة والبعيدة للمنهج الإسلامي.
- تبين معاني العدل في الإسلام.
- توضح صور التكافل الإجتماعي.
- تناقش مظاهر المساواة بين المرأة والرجل في الإسلام .
- تبين مظاهر الرحمة في الإسلام.
- تبين حقوق الصحبة و تدرك مواصفات من تتخذه صاحباً .
إن خلق الإنسان آية عظيمة تدل على عظمة الخالق سبحانه، فتحدّث الإسلام عن نشأته في كثير من سور القرآن وآياته ، فقال الله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ (العلق: 2)، وضح الإسلام أصل الإنسان ومنشأه، حيث نشأ من نطفة أصلها من طين، والله تعالى اعتنى به وميزه عن سائر المخلوقات، فهو قبضة من طين ونفخة من روح الله ممتزجتين مترابطتين لا تطغى إحداهما على الأخرى، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لعبادته وليجعله خليفةً على هذه الأرض ليقوم بإعمارها والإنتفاع منها، وابتلاه بالأوامر والنواهي. وتحدث الإسلام عن مصير الإنسان ومرجعه الذي سينتهي إليه، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ﴾ (العلق: 8)، فهناك نهاية يحاسب فيها الله عباده على ما قدموا ويجزون بالجنة أو النار، فيتحقق العدل ويأخذ كل ذي حقٍ حقه.
إن الأهداف التي يسعى الإسلام للوصول إليها هي أهداف واضحة المعالم وميسرة الأداء، وتقسم هذه الأهداف إلى نوعين:
الأهداف القريبة:
هي الأهداف التي يجب على المجتمع الإسلامي أن يسعى بكل جد واجتهاد لإيجادها في هذه الحياة الدنيا ومنها:
- تحرير الإنسان من العبودية لغير الله إلى عبودية الله وحده.
- تحقيق منهج الخلافة والاستخلاف في الأرض.
- توحيد مشاعر الأمة على أساس كلمة التوحيد.
- نشر لواء الأمن والاستقرار في نفوس المؤمنين.
الأهداف البعيدة : هي أهداف رفيعة كريمة للمنهج الإسلامي، يبقى المسلم دائم التّطّلع إليها أملاً في الوصول إليها. ومنها:
- غفران الذنوب والعفو عن السيئات.
- الوصول إلى رضوان الله ودخول جنّات النعيم.
- الاجتماع الكريم مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
العدل في الإسلام له قيمة عظيمة متألقة، قيمة تتصدر كل القيم الثابتة التي دعا إليها الإسلام فهو المقصد الأول للشريعة، و العدل هو الحق ومجاوزة الحق ظلم وجور، كما أمرنا النبي (ﷺ) بالعدل، فقال: «اعدلوا بين أبنائكم» (البخاري ، في الهبة ، باب الهبة للولد). ولأهمية العدل أمر الإسلام بالجهاد لرفع الظلم ونشر العدل، فقال الرسول (ﷺ) : « إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ» (رواه أحمد، ج2 ص 16)، وللعدل معاني عديدة في الإسلام، منها:
- العدل في الإسلام فريضة واجبة وليس مجرد حق يمكن التنازل عنه.
- العدل فريضة إنسانية وضرورة بشرية تجب على الإنسان للإنسان.
- العدل واجب حتى لو صادم الميل والهوى والمصلحة الذاتية للإنسان.
- العدل هو الميزان الذي أمر الله به سبحانه وهو أداة التوازن في مختلف ميادين الحياة.
نشاط (1)
عزيزي الطالب،
العدل ركن من أركان ديننا الحنيف، به تقوم الأسر والمجتمعات وبه تسود الطمأنينة، وهناك الكثير من القصص والشواهد عن العدل في الإسلام. عزيزي الطالب تحدث عن أربعاً من قصص العدل في عهد الخلفاء الراشدين وشارك زملائك هذا الموضوع من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بالمقرر.
الإسلام دين التكافل والتعاون والأخوة فقد قال الرسول (ﷺ) : ”الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضًا“ (رواه البخاري في المظالم ص5 ورواه أحمد ج4 ص 404) وصور هذا التكافل كثيرة منها:
- التكافل بين الفرد وذاته، وهو أساس التكافل الاجتماعي.
- التكافل بين الفرد وأسرته وجماعته وأمته.
- التوارث المادي للثروة والمفصل في آيات الميراث.
- نظام النفقات الذي رتب الله فيه حقوقاً مالية للأبناء على آبائهم وللزوجات على أزواجهن.
- الزكاة وما تقوم به من سد عوز المحتاجين.
- عدم التعرض لأموال الأغنياء التي اكتسبوها بحق .
نشاط (2)
عزيزي الطالب،
من أعظم مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام فريضة الزكاة ، بَيَّن ما هي مصارف الزكاة ودورها في محاربة الفقر. يمكنك مناقشة زملائك هذا الموضوع من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بالمقرر.
إن المساواة من قيم الإسلام الخالدة، وهي ملازمة للعدل الذي أمر الله به وجعله فريضةً من فرائضه، فالله تعالى خلق البشر كلهم من تراب ومن ماء مهين فقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ﴾ (المرسلات: 20) فالبشر متساوون في كل شيء و مقياس تفاضلهم عند الله تعالى واحد وهو التقوى ، فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (الحجرات: 13).
كفل الإسلام للمرأة المساواة التامة مع الرجل من حيث الجنس فكلاهما خلقا من تراب، ولم يقرر التفاضل بينهما إلا في بعض الأمور المتعلقة بالاستعداد أو التبعة، أما في بقية الشؤون فقد ساوى بينهما. ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة من نواحي عديدة وهي:
- الدينية والعبادية، فالعبادات واحدة لكليهما .
- الأهلية للملك والتصرف المالي فالمرأة لها مطلق الحرية فيما تملك .
- الحق في التعليم.
- حق الزواج بإذنها ورضاها دون إكراه الأهل.
- حق الكسب والعمل.
إن المرأة تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى، وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء ، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه، وعليه فالإسلام لم يساوي بين الرجل والمرأة في الأمور التي لو ساوى بينهما لظلم أحدهما ؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم، ومن هذه الأمور:
-
التبعة
قال الله تعالى :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ﴾ (النساء: 11)
فإيثار الرجل بضعف نصيب المرأة في الميراث مرده إلى التبعة التي يضطلع بها الرجل في الحياة، فهو يتزوج إمرأة يتكفل بإعالتها وإعالة أبنائها وبناء الأسرة، فمن حقه أن يكون له مثل حظ الأنثيين، بينما المرأة فهي مكفولة النفقة بنتاً و زوجة و أختاً وأماً. -
القوامة
قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ْ ﴾ (النساء: 34) .
فوجه التفضيل بينهما هو الاستعداد والدربة والإنفاق، وقوامة الرجل على المرأة هي قوامة التبعات والالتزامات والمسؤوليات ، فهي قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة ، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة، وإنما منشؤها ما ركّب الله في الرجل من ميزات فطرية تؤهله لدور القوامة لا توجد في المرأة ، فالرجل هو أب الأولاد وإليه ينتسبون، وهو المسؤول عن نفقتهم ورعاية سائر شؤونهم، وهو صاحب المسكن وعليه إيجاده وحمايته ونفقته، أليس من الإنصاف والعدل أن يكون من حُمّل هذه التبعات وكُلف هذه التكاليف من أمور البيت وشؤونه أحق بالقوامة ممن كُفلت لها جميع أمورها.؟!
نشاط (3)
عزيزي الطالب،
كفل الإسلام للمرأة المساواة في حق التملك والكسب والتعلم، بين النصوص من القرآن الكريم
والسنة النبوية التي توضح ذلك، (يمكنك الإستعانة بكتاب ”
المرأة بين الفقه والقانون
“ د. مصطفى السباعي)
إن رسالة الإسلام تتميز بأنها رسالة اجتماعية تصل الخُلُقَ بالدين والعبادة بالحياة، وترتب محبة الله للناس على محبة الناس بعضهم لبعض وتعارف فيما بينهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
﴾ (الحجرات: 13) . وهذه الصفة (الرحمة) شملت أحكام الدين كله ووسعت كل المخلوقات النبات، الجماد، الإنسان والحيوان، لهذا كان شعار الرسول (ﷺ) َ“يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا“ (رواه البخاري كتاب الجهاد ، ص 164 ومسلم كتاب الجهاد 71).
وهذه الرحمة لها مظاهر كثيرة، منها:
- علاقة الإنسان بأبيه وأمه تقوم على مبدأ الرحمة، فقال تعالى:﴿ووَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ (الإسراء: 23).
- صله الزوج بزوجه تقوم على مبدأ الرحمة، فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونََ ﴾ (الروم: 21) .
- صله الرحم (كل من بينك وبينه قرابة) فهي ضرورة اجتماعية تقوم على مبدأ الرحمة، فقال تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ (الأحزاب: 6).
والرحمة في الإسلام شملت كل بني الإنسان وحينما تخلق المسلمون بخلق الرحمة والتراحم كانوا خير أمة أخرجت للناس ،وكان الرسول (ﷺ) مثالاً للرحمة، فهو حينما دخل مكة فاتحاً وهم على شركهم فقال لهم : ما ترون إني فاعل فيكم ، قالوا : خيراً أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فما كان منه إلا أن قال قولته الشهيرة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" (البيهقي، كتاب السير، رقم 18276).
إن للصحبة أثراً عميقاً في شخصية المرء الذي خلقه الله ليستأنس ببني جنسه، فهو اجتماعي بطبعه، فلا بد له من مخالطة الناس الأخيار منهم والأشرار، وقد وضع الإسلام للصحبة منهاجاً واضحاً وحذر من صحبة السوء، فقال الله تعالى: ﴿
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ (الزخرف: 67).
وقال الرسول (ﷺ) : ”الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ” (رواه أبو داود في الأدب ص 16 الترمذي في الزهد ص 45).
ولا يصلح للصحبة كل إنسان فلا بد لمن تختاره صاحباً أن يتميز بخصالٍ وصفات يُرغب بسببها في صحبته، ومن أهم هذه الصفات:
- أن يكون عاقلاً، فلا خير في صحبة الأحمق والسفيه.
- أن يكون حَسَنَ الخلق، فالأخلاق هي الأساس التي من أجلها تُطلب الصحبة.
- غير فاسق ولا مبتدع، لأنه لا يخاف الله ولا تؤمن غائلته.
- غير حريص على الدنيا، فمجالسة الحريص على الدنيا تحرك الحرص، لذا يستحب صحبة الراغبين في الآخرة.
حقوق الأخوة والصحبة
عقد الأخوة رابطةٌ بين شخصين تقتضي حقوقاً يجب الوفاء بها ومن أهمها:
- الحق في المال.
- الإعانة بالنفس.
- حق اللسان بالسكوت مرةً وبالنطق مرة أخرى.
- العفو عن الهفوات والزلات.
- الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته.
- الوفاء والإخلاص.
- مقدمة
- علاقة الإنسان بالكون
- علاقة الإنسان بالحيوان
- علاقة الإنسان بالحياة
- اختبر نفسك
لقد وضع خالق الإنسان والكون قواعد وأسس تقوم عليها العلاقة بين الإنسان وهذا الكون الفسيح من سماء وأرض، وبين لنا علاقتنا مع الحيوانات التي أوجدها لخدمتنا ومساعدتنا في عمارة هذه الأرض، ثم وضع لنا غايات لوجودنا فنسير الدرب ونحن نعلم سر وجودنا والغاية التي خلقنا الله لها وهي (عبادة الله وحده) فيكون الدرب واضحاً والطريق سالكاً.
بعد الانتهاء من هذا الموضوع، ستكون قادراًعلى أن:
- تحدد علاقة الإنسان بالكون وما فيه من أرض وسماء وحيوان ونبات.
- توضح الغاية التي خلق الإنسان من أجلها .
تقوم علاقة الإنسان بالكون والسماء والأرض على أساسين هما:
- الاستثمار:
أي الانتفاع به وتسخيره لمنفعته، وعلى الإنسان أن يعمل جاهداً لمعرفة الكون وما فيه حتى يتحقق له الانتفاع الكامل به،
وهو حين يفعل ذلك يستجيب للأمر الإلهي: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: 15) .
فإذا تخلف عن تحقيق هذا الأمر عصى الله وخالف أمره.
والإنسان في تصور الإسلام كائن يتألف من الجسم والعقل والروح، فبوجود العقل الذي يتدبر في كل آيات الكون، والروح التي تتصل بالقوة الخفية في هذا الكون، استحق الإنسان أن يكون خليفة على هذه الأرض ومكلفاً بإعمارها. - الاعتبار: أي التدبر والتأمل ليصل إلى معرفة خالقه ومدبره. قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ (آل عمران: 190) .
إن أهمية الحيوان في حياة الإنسان تتجلى فيما يلي:
- إن الحيوان مجال رحب للتفكير في عظمة الخالق، قال سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ (الغاشية: 17).
- الحيوان مصدر أساسي لغذاء الإنسان، قال سبحانه: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ (النحل: 5).
- الحشرات كالنحل مصدر للغذاء و للدواء وتلقيح الأزهار، قال سبحانه: ﴿ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ﴾(النحل: 69).
- الحيوانات الأليفة وسيلة ميسرة للمواصلات والركوب، ومنها نأخذ الفرو والصوف والجلود للباس والزينة والتدفئة، قال سبحانه: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ (النحل: 8).
كان اهتمام الإسلام بالحيوان فريداً في التاريخ الإنساني، فدعا إلى الرحمة به والإحسان إليه وعدم إيذائه، وتوعد من يؤذي الحيوان دون سبب ومبرر، فقال (ﷺ) : ”عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ“ (البخاري، أحاديث الأنبياء، باب فضل سقي الماء). وانعكست الرحمة على الحيوان في أرض الإسلام، فكانت هناك أوقاف مخصصة لإطعام الحيوانات الضالة وعلاجها، وبذرت الحبوب في رؤوس الجبال غذاءً للطيور.
إن علاقة الإنسان بالحياة تظهر جلية من خلال غاية الوجود الإنساني، وهذه الغاية تتحقق بوجود عنصرين اثنين:
- الخلافة
فقد خلق الله الإنسان في الأرض واستخلفه، وطلب منه أن يؤدي وظيفةً فيها حسب منهاجه سبحانه وتعالى، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (البقرة: 30). إن الاستخلاف في الأرض قدرةٌ على العمارة والإصلاح لا على الهدم والإفساد، وقدرةٌ على تحقيق العدل والطمأنينة لا على الظلم والقهر، وقدرةٌ على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري لا على الإنحدار بالفرد والجماعة إلى مدارك الحيوان. - العبادة
هوعنصر أساس ومكمل لعنصر الاستخلاف، فالعبادة غاية مهمة أرادها الله سبحانه وتعالى من خلق الإنسان، حيث يقول تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ (الذاريات: 56 ) فما دام هناك رب يعبد لا بد من وجود عبد يعبد.
إن مفهوم الحضارة في الإسلام يتوازن بين الجانب المادي والمعنوي لا يطغى أحدهما على الآخر، فالعمارة المادية هي جانب من مفهوم العبادة الذي يحقق خلافة الإنسان في الأرض، وذلك باستخلاص طاقات السموات والأرض وتسخيرها لخير الإنسان، فحين يقوم الإنسان بالخلافة عن الله في أرضه على وجهها الصحيح ويخلص في العبودية لله ولا يعترف بشرعية غير منهج الله ويعيش بالقيم والأخلاق التي قررها الله ويسقط ما عداها من القيم والأخلاق المدعاة ، عندها يكون الإنسان كامل الحضارة ويكون هذا المجتمع قد بلغ قمة الحضارة. أما الإنسان بالإنتاج المادي وحده يمكن أن يهبط أسفل سافلين إذا تخلى عن القيم الإسلامية، والجاهلية المعاصرة خير دليل على ذلك؛ بين يديها أكبر قدر من العلم والإنتاج المادي ولكن لا نجد فيها الإنسان الصالح العابد، فما قامت حضارة متكاملة الجناحين إلا في ظل ديننا العظيم، وإن أي حضارة قامت على المادة فقط ليس للقيم مكان فيها فلا شك أنها ستكون عرجاء، ناقصة، متناقضة آيلة للسقوط .
عزيزي الطالب، إن هذه الموضوعات التي اطلعت عليها تضع النقاط على الحروف، وتفتح لك أبواب المعرفة على حضارة الإسلام التي جاءت لتنظيم علاقات الإنسان، وأعظم هذه العلاقات هي صلة الإنسان بربه، هذه الصلة جعلها الإسلام واضحة المعالم وذلك من خلال الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالرسل والملائكة والكتب، فإذا استقرت العقيدة في النفوس فإنها تظهر على الجوارح والسلوك أخلاقاً وتعاملاً ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
فليس الإسلام-في حد ذاته- نظرية فلسفية، أو تعاليم مجردة، وإنما هو الحياة بجميع جوانبها، من هنا نظم الإسلام علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فدعاه إلى العدل والصدق والتراحم، وحذره من الظلم والكذب والتقاطع، وذهب التشريع إلى أبعد من ذلك فنظم علاقة الإنسان ببيئته أرضاً وسماءً ونباتاً وحيواناً، وطلب منه توسيع صور الجمال في هذا الكون المسبح الساجد لربه المُسلِّم أمره إليه، والحقيقة أن الإسلام وسع دائرة العبادة ليبقى الإنسان على اتصال وثيق بربه، وليكون في ذكر دائم له قلباً ولساناً وشعوراً وفكراً، فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وسبحان من بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون.
جامعة القدس المفتوحة. (2014)، مقرر الثقافة الإسلامية . عمان، الأردن: جامعة القدس المفتوحة.