انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918م وهزم الأتراك والألمان، وأصبحت فلسطين تحت الحكم العسكري البريطاني بقيادة الجنرال اللنبي الذي دخل القدس في 9/12/1917. وقال عندما دخلها: "اليوم انتهت الحروب الصليبية“.

كرد على الاحتلال تشكلت الجمعيات الإسلامية المسيحية في المدن الفلسطينية، واتحدت في جمعية عمومية واحدة في القدس، وقد دافعت الجمعية الإسلامية المسيحية عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
ونستطيع أن نعتبر الجمعية الإسلامية المسيحية رائدة الحركة الوطنية أيام فترة الحكم العسكري على فلسطين، وقد تشكلت في كل مدينة جمعية إسلامية مسيحية. وتعتبر هذه الجمعيات أول مظهر للوعي السياسي في فلسطين، وبلغ مجموع هذه الجمعيات (15) جمعية، ونستطيع القول إن الأهداف الوطنية الرئيسة لها انحصرت في

لقد وجهت الجمعية الإسلامية المسيحية دعوة للحضور إلى القدس لعقد (المؤتمر الفلسطيني الأول). وقد توافد مندوبو الجمعيات إلى القدس، وعُقد المؤتمر عام 1919م في مدرسة دار الأيتام الإسلامية بالقدس، وحضر المؤتمر مندوب عن كل مدينة وقضاء، وترأس المؤتمر عارف باشا الدجاني. واتخذ المؤتمر قرارات هامة منها إيجاد ميثاق قومي لفلسطين يتضمن رفض وعد بلفور، ورفض الهجرة اليهودية، والمطالبة بوحدة فلسطين مع سوريا، وتسمية فلسطين سوريا الجنوبية.

وعقد في دمشق المؤتمر السوري العام في ( 6/ 2/ 1919م ) وافتتح المؤتمر الملك فيصل، وحضره ممثلون عن فلسطين ، وبلغ عددهم 23 مندوباً من مجموع 73 مندوباً عربياً من سوريا الكبرى، وهكذا يمكن القول إن الحركة الوطنية الفلسطينية الناشئة كانت منذ ظهورها مرتبطة بالحركة العربية العامة.
ونادى المؤتمر :

• بالوحدة السورية الكبرى،
• تشكلت لجنة دعيت لجنة الدستور لوضع دستور للمملكة المتحدة - فلسطين من ضمنها.
• أصدر المؤتمر السوري العام قراره التاريخي وهو إعلان وحدة سوريا الكبرى واستقلالها.
• تنصيب فيصل بن الشريف حسين ملكاً ذا حكومة دستورية مسئولة أمام نواب الأمة.

  وبعد انتهاء حكم الملك فيصل في دمشق عام 1920م، عاد الفلسطينيون إلى وطنهم وقرروا اتباع خطة جديدة للحركة الوطنية الفلسطينية، فقرروا عقد مؤتمر أطلق عليه المؤتمر الفلسطيني الثالث
قرروا فيه:

• رفض وعد بلفور
• منع الهجرة اليهودية
• إنشاء حكومة وطنية، حيث انتخب موسى كاظم الحسيني رئيساً للحركة الوطنية الفلسطينية.
• كانت أهم القرارات التي اتخذها المؤتمر أيضاً انتخاب لجنة تنفيذية، وبقيت هذه اللجنة التنفيذية هي الممثلة للشعب الفلسطيني في جميع المؤتمرات الفلسطينية اللامعة؛ وعين موسى كاظم الحسيني رئيساً لها.

طلب الجنرال الإنجليزي بولز حاكم القدس أن يجتمع برؤساء الطوائف والأعيان الفلسطينيين في بيته في القدس بتاريخ (1920/2/20م)، وأثناء الاجتماع معهم تلا عليهم هذا التصريح:” قرر مجلس الحلفاء انتداب دولة لفلسطين وأن يدمج وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في معاهدة الصلح مع تركيا، وقد عرض هذا الانتداب على بريطانيا فقبلته، وهي تحكم البلاد لخير سكانها، وأتلو عليكم وعد بلفور...“
احتج الفلسطينيون على ذلك وقرروا القيام بمظاهرة يوم الجمعة 1920/2/27 في القدس وهي أول مظاهرة سياسية في فلسطين ضد الإنجليز، اشترك فيها أكثر من 40.000 متظاهر فلسطيني ورفع رئيس الجمعية الإسلامية المسيحية رسالة للحاكم العسكري احتج فيها على خطاب الجنرال بولز قائلاً في رسالته: "... إننا مصرون كل الإصرار على الاحتفاظ بتراث آبائنا وأجدادنا من كل خطر...“.

قامت مظاهرات أخرى في فلسطين أهمها في نيسان عام 1920م؛ وهي مظاهرات موسم النبي موسى التي تحولت من احتفالات دينية إلى مظاهرات سياسية. واصطدم العرب باليهود عندما بصق أحد اليهود على المتظاهرين فانهالوا عليه ضرباً، وأسفرت الصدامات عن قتل وجرح أعداد من الطرفين.
وكان موسى كاظم الحسيني قد ألقى خطاباً حماسياً وطنياً في الجماهير المحتشدة أمام بلدية القدس تهجّم فيه على الإنجليز والصهاينة، فكان نصيبه أن عزله الجنرال بولز عن رئاسة البلدية بسبب خطابه الوطني وعين بدلاً منه راغب النشاشيبي الذي لعب دوراً هاماً مطيعاً للسياسة البريطانية في فلسطين.

كما حصلت حوادث بين العرب واليهود في أول أيار سنة 1921م في حي المنشية بيافا، واتسعت رقعة القتال حيث شملت يافا كلها، وهجم العرب على المستعمرات اليهودية المجاورة في قرية ملبس وقرية الخضيرة، وأرسل الإنجليز لجنة "هايكرافت" لدراسة أسباب الحوادث.
وكان قرار اللجنة معبراً إلى حد ما عن رأي الحركة الوطنية الفلسطينية، ومما جاء في تقرير اللجنة عن أن أسباب الحوادث "الشعور السائد في البلاد ضد اليهود... ونعتقد أن كره العرب للحكومة البريطانية نشأ عن مساعدتها للسياسة الصهيونية... واستنتجنا أن كل الشعب من غير اليهود تقريباً متحد في العداء لليهود“

وعقدت الحركة الوطنية الفلسطينية المؤتمر الرابع في القدس في( 29/ 5/ 1921 م) برئاسة زعيم فلسطين موسى كاظم الحسيني.

من جانبه حاول صموئيل تأسيس وكالة عربية تساوي الوكالة الصهيونية فرفضها العرب أيضاً لأن اليهود يشكلون 7% من فلسطين بينما العرب 93%. وأجاب موسى كاظم الحسيني في رسالة إلى صموئيل قائلاً: "إن الغاية التي ينشدها عرب فلسطين ليست وكالة عربية مشابهة للوكالة (اليهودية)، وإنما الذي يطلبونه ولا يقبلون عنه بديلاً هو الاستقلال...” .
وشكل الفلسطينيون عام 1922م المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى برئاسة الحاج أمين الحسيني، فالتجأ الفلسطينيون إليه، وقد وصفه الصهاينة بأنه حكومة داخل حكومة، أي داخل حكومة الانتداب وذلك بسبب تعرضه المتواصل للمشاريع الصهيونية والانجليزية، ومحافظته على أراضي الأوقاف وزيادتها وحمايتها من الطمع الإنجليزي والصهيوني. لذا كان نشاط المجلس الإسلامي في التصدي للمشاريع الصهيونية والإنجليزية مكملاً للحركة الوطنية الفلسطينية في التصدي للاستعمار.
وعقدت الحركة الوطنية الفلسطينية المؤتمر السابع والأخير في القدس من 20 - 1928/6/27م وانبثقت عنه لجنة تنفيذية بقيت تمثل الشعب الفلسطيني حتى عام 1934م، وكان هذا المؤتمر آخر المؤتمرات الفلسطينية بعد هذا المؤتمر بدأ المجلس الإسلامي نشاطه، فدافع الحاج أمين عن وطنه واستعمل الدين كسلاح حاد لمواجهة الإنجليز والصهاينة، فحدثت حوادث هامة كان هو على رئاستها مثل حوادث عام 1929م (البراق الشريف)، والمؤتمر الإسلامي العام عام 1931م، ومؤتمر علماء فلسطين عام 1935م .

كانت الحركة الصهيونية السبب الرئيس في إشعال فتيل الاشتباكات بين العرب واليهود في حوادث عام 1929م أو ما يسمى هبة البراق. فقد كانت استفزازات الصهاينة كثيرة منذ بدء الانتداب البريطاني، وهذه الحوادث هي إحداها، فكانوا هم السبب في إشعالها لأنهم يعتبرون الحائط الغربي للحرم الشريف“ حائط البراق“ ، هو حائط المبكى.
والحائط المذكور ربط النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، به البُراق ليلة الإسراء والمعراج. وقد حاول الصهاينة شراء حائط البراق من المسلمين عدة مرات لكنهم فشلوا، كما حاولوا شراء الساحة التي يقف عليها الصهاينة في مواجهة الحائط والتي تسمى ساحة أبو مدين وهي وقف إسلامي، وقد فشلوا في شرائها أيضاً.
وفي 1929/8/15م قرر الصهاينة القيام بمظاهرة تنطلق من تل أبيب إلى القدس، وقد سمح لهم الإنجليز القيام بهذه المظاهرة، وعندما وصلوا حائط البراق الشريف هتفوا هتافات تحدًّ للعرب ولمشاعر المسلمين قائلين "هذا الحائط حائطنا"، وأنشدوا نشيد "الهاتكفا” - النشيد الوطني اليهودي- ، واعتدى المتظاهرون على المسلمين الذين كانوا قرب الحائط.
وفي اليوم الثاني أقام العرب مظاهرة أضخم من المظاهرة اليهودية حضرها 2000 مسلم. وفي 1929/8/23م حصل الصدام الدموي بين العرب واليهود، وعرف هذا اليوم بثورة البراق حيث اشتبك العرب مع اليهود قرب الحائط،

بدأ الساسة المسلمون في فلسطين يشعرون بالحصار.. فبريطانيا واقعة تحت النفوذ الصهيوني.. تنحصر مهمة انتدابها في تثبيت وضع اليهود وتمكينهم من إقامة وطنهم القومي في فلسطين، ترعى هجرتهم، وتمكنهم من الأرض، في هذا الجو السياسي الخانق.
افتتح المؤتمر رسميا ليلة الإسراء في 27 رجب 1350هـ الموافق 7 كانون أول 1931م، وفي عشية الافتتاح كان الحدث الكبير وقوف السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء كبير مجتهدي الشيعة في المسجد الأقصى ليؤم جموع المصلين.
حضر المؤتمر 145 مندوبا يمثلون مختلف الأقطار الإسلامية، بعضهم من كبار شخصيات العالم الإسلامي مثل: العلامة محمد رشيد رضا، والإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء، ضياء الدين الطبطبائي رئيس وزراء إيران الأسبق، عبد العزيز الثعالبي الزعيم التونسي، محمد إقبال الهندي، الزعيم شوكت علي الهندي، محمد علي علوبه من مصر، الأمير سعيد الجزائري، وعبد الرحمن عزام.

استمر نشاط الحركة الوطنية بعد المؤتمر الاسلامي ، فقد ازدادت المظاهرات التي انطلقت من المدن المختلفة في فلسطين، ففي 8 تشرين أول أكتوبر 1933م اجتمع أعضاء اللجنة التنفيذية الفلسطينية وقرروا القيام بمظاهرة ضخمة تنطلق من المسجد الأقصى المبارك يوم الجمعة 1933/10/14م على أن يكون على رأسها جميع أعضاء اللجنة التنفيذية،. وقرروا أيضاً أن تقام مظاهرات متتالية في كل المدن الفلسطينية، وانطلقت بالفعل مظاهرة من المسجد الأقصى المبارك، واتجه المتظاهرون نحو كنيسة القيامة تعبيراً عن الوحدة الإسلامية المسيحية، ثم انطلقت المظاهرة إلى خارج سور القدس.
وبعد الاصطدام مع الإنجليز اجتمع عدد من أعضاء الحركة الوطنية الفلسطينية في بيت موسى كاظم الحسيني رئيس اللجنة التنفيذية وقرروا القيام بمظاهرة أخرى في يافا دون الحصول على ترخيص من الحاكم العسكري؛ وقرروا أيضاً متابعة المظاهرات كل أسبوع بحيث تكون كل مدن فلسطين لها نصيب في المظاهرات، وأن تستمر هذه المظاهرات حتى تتحقق مطالب الشعب الفلسطيني.

أولاً: الأحزاب السياسية في فلسطين بين عامي 1934- 1935م .

تأسست في هذه الفترة عدة أحزاب هي:

كان حزب الدفاع والحزب العربي أقوى هذه الأحزاب وأكثرها تنافساً، وكان قيام هذين الحزبين مظهراً من مظاهر الخلاف العائلي بين الحسينيين والنشاشيبيين الذين تولوا قيادة هذين الحزبين. لم ينجح الحزبان في العمل على توحيد جهود الأمة لمواجهة الأخطار الصهيونية. وكان الحزب العربي (الحسيني) يقود الحركة الوطنية ويؤيد مطالب الشعب، بينما كان حزب الدفاع (النشاشيبي) يميل إلى سلطة الانتداب الإنجليزي ويرغب في حل المسألة الفلسطينية عن طريق المفاوضات مع الإنجليز.
وكانت معظم هذه الأحزاب التي تشكلت عام 1935م تهدف إلى المطالبة بالاستقلال التام لفلسطين، والمحافظة على عروبتها ضمن الوحدة العربية.
لقد ظل التنافس الحزبي والعائلي مستمراً منذ بداية الانتداب البريطاني إلى نهايته وحتى سقوط البلاد بيد الأعداء.

وكانت هناك أحزاب أخرى لم يكن تأسيسها في فلسطين وإنما لها أعضاء ومؤيدين في فلسطين، مثل:

ثانياً: مؤتمر علماء فلسطين

في هذه الفترة حتى عام 1935م ازدادت الهجرة الصهيونية إلى فلسطين وتم سلخ أراضٍ كثيرة استولى عليها اليهود، وقد باع عدد من اللبنانيين والسوريين أراضٍ يملكونها في فلسطين لليهود، ولذلك اجتمع علماء فلسطين عام 1935م في القدس وأصدروا فتوى إسلامية تحرم بيع الأراضي لليهود. وجاء في الفتوى "نحن المفتين والقضاة والمدرسين والخطباء والأئمة والوعاظ وسائر علماء المسلمين ورجال الدين في فلسطين... نعلن أن البائع والسمسار والمتوسط في الأراضي بفلسطين لليهود والمسهل له هو:

• عامل ومظاهر على إخراج المسلمين من ديارهم
• مانع لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وساع في خرابها
• متخذ اليهود أولياء
• مؤذ لله ولرسوله وللمؤمنين
• خائن لله ولرسوله وللأمانة

كل أولئك ينبغي أن لا يصلى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم وعدم التودد إليهم والتقرب منهم ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخواناً أو أزواجاً.

ثالثاً :حركة القسام وثورة عام 1936

في عام 1935م كان الشيخ عز الدين القسام يحث الناس على مقاومة الإنجليز والصهاينة في خطبه التي كان يلقيها من جامع الاستقلال في حيفا، علماً أنه بدأ في تشكيل منظمات سرية منذ عام 1930م. وقد شاهد القسام الحالة المزرية للفلاحين الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم وقراهم نتيجة بيعها لليهود من قبل كبار الملاك الإقطاعيين اللبنانيين، ورثى لحال هؤلاء الفقراء الذين كانوا يعيشون في بيوت من التنك والخشب.
انطلق القسام عام 1935م علناً من حيفا إلى يعبد معلناً الجهاد، وأخذ يقاوم الإنجليز علناً بدلاً من أعماله الفدائية سراً، وكان معه حينئذ خمسون مجاهداً، وبعد معركة عنيفة غير متكافئة في العدد والعدة، استشهد القسام وبعض رفاقه في تشرين ثاني عام 1935م في أحراش يعبد.
وأقيم للشهيد القسام موكب وطني فكان الوداع مشهداً عظيماً رائعاً لم تر حيفا مثله إلا يوم توديع جثمان الملك فيصل ؛ حيث لف النعش الأول بالعلم العراقي والآخر بالعلم السعودي والثالث بالعلم اليماني تعبيراً عن وحدة الأمة العربية في صراعها ضد الاستعمار.
كان استشهاده صدمة هزت الشعب الفلسطيني من الشمال إلى الجنوب، والجدير بالذكر أنّه لم ينتسب إلى أي حزب ولم يرتبط مع أي من الأحزاب السياسية السابقة وإنما كان ارتباطه الوحيد مع العقيدة الإسلامية.

شهدت فلسطين بعد استشهاد القسام عمليات عسكرية فدائية من جماعة "إخوان القسام" وهناك حادثتان أدّتا إلى الإضراب الفلسطيني الطويل عام 1936م.

لم يخطط أي حزب من الأحزاب السياسية لهذا الإضراب، إنما جاء ردة فعل شعبية نتيجة المعاناة التي عاناها الشعب الفلسطيني، وقد طلب رؤساء اللجان القومية في اجتماع لهم في القدس من قادة الأحزاب السياسية الإشراف على الإضراب، وقام تنسيق بين اللجان القومية ورؤساء الأحزاب السياسية في مؤتمر شكلوا فيه "اللجنة العربية العليا” .

وانتخب الحاج محمد أمين الحسيني مفتي القدس رئيساً للجنة، وتعهد المفتي بأنه سيتحمل المسؤولية بكل صدق وثبات حتى النهاية مهما تكن النتائج حتى لو أدى ذلك إلى اعتقاله وسجنه. وكانت مهمة اللجنة العربية العليا قيادة اللجان القومية والحركة الوطنية عامة والإشراف على تطبيق الإضراب، وكان أول بيان أصدرته اللجنة بأن الإضراب سوف يستمر إلى أن تتحقق المطالب الفلسطينية وهي:

• منع الهجرة اليهودية منعاً باتاً.
• منع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود.
• إنشاء حكومة مسؤولة أمام مجلس نيابي.

وقد لعبت اللجان القومية دوراً جذرياً في تسيير الحركة الوطنية، وشكلت هذه اللجان حلقة الوصل بين اللجنة العربية والقواعد، لدرجة أنها أصبحت خلايا عضوية في تنظيم شامل للأمة كلها. كما أن "ممارسات اللجان القومية تنبع من أنها لم تكن دائماً تأخذ أوامر اللجنة العربية كحقائق مسلم بها، بل شكلت قوة ضابطة أو صمام أمان للحركة الوطنية في مجملها .

وقد وصل عدد من المتطوعين من الدول العربية المجاورة إلى فلسطين للاشتراك مع إخوانهم العرب في فلسطين لمقاومة الإنجليز، وجاء هؤلاء من سوريا ولبنان وشرقي الأردن والعراق، وكان من بين هؤلاء قائدان من أبطال الثورة السورية هما :

• الشيخ محمد الأشمر الذي امتد نشاطه في المثلث وخاصة في طولكرم.
• القائد سعيد العاص وكان نشاطه في منطقة الخليل وبيت لحم والقدس.
• كما وصل فلسطين القائد اللبناني فوزي القاوقجي قادماً من العراق، وربما كان المفتي هو الذي دعا القاوقجي للقدوم إلى فلسطين، وكان قد اتخذ مركزه قرية يعبد قرب مدينة جنين، هكذا اشترك العرب لمساندة الشعب الفلسطيني في الأردن وسوريا والعراق ولبنان.

أما في مصر فنشط الإخوان المسلمون في بث دعايتهم الإعلامية لنصرة إخوانهم في الدين في فلسطين. وطبعت اللجنة العربية العليا كتاباً عام 1936م أسمته "المنار والدمار في فلسطين" وأرسلت آلاف النسخ منه إلى مصر، وقام الإخوان المسلمون بتوزيعه وهو يقع في 80 صفحة عن أعمال الإنجليز من تعذيب وقتل للشعب الفلسطيني مزودة بالصور.

 وأصبح الوضع في فلسطين بعد هذه الاعتقالات شديد التوتّر، فانتشر الثوار في الجبال وقرروا التصدي للدوريات العسكرية الإنجليزية، وازدادت الأعمال العسكرية الثورية، واعتقل الإنجليز الشيخ "فرحان السعدي" وأعدم وهو صائم في رمضان. ومن أهم أعمال الثوار: الهجوم على القوافل العسكرية والمخافر والمطارات والمستعمرات اليهودية ونسف الجسور والسكك الحديدية. وقسم الثوار فلسطين ثلاثة أقسام:

• سيطر القساميون على المنطقة الشمالية، فكان أبرز القادة في الشمال أبو إبراهيم الكبير (خليل العيسى) وأبو إبراهيم الصغير (توفيق الإبراهيم) وأبو علي (سليمان عبد القادر).
• المنطقة الوسطى وتشمل القدس ونابلس والخليل وكان أبرز القادة فيها أبو كمال (عبد الرحيم الحاج محمد) وهو القائد العام، وأبو فيصل (عارف عبد الرازق) وأبو علي (حسن سلامة) وعبد القادر الحسيني.
• المنطقة الجنوبية أي بئر السبع وغزة والمجدل فلم يكن فيها زعيم للثوار بل زعماء ثورة منتشرون.

• حاول الإنجليز وقف الإضراب بالقوة بأن أرسلوا الجنرال "ديل" على رأس جيش جرار لكنهم فشلوا، وذلك بسبب وقوف الشعب مع زعماء الحركة الوطنية صفاً واحداً ضد الإنجليز، هذا مع العلم أن أعمال الإنجليز كانت قاسية ضد قادة الحركة الوطنية وضد أفراد الشعب عموماً، كما أن المندوب السامي قام بتهديد اللجنة العربية العليا إذا لم تصدر أمراً بوقف الإضراب، ولكن بلا فائدة.
• اتخذ الإنجليز أسلوباً آخر هو الضغط على زعماء الدول العربية كي يضغطوا على الفلسطينيين لوقف الإضراب، وقد نجحوا في ذلك، فأرسل زعماء العرب إلى إخوانهم في فلسطين كي يفكوا الإضراب.
• والحقيقة أن الجبهة الداخلية في فلسطين كانت منهكة بعد مضي خمسة شهور من الإضراب، فقد شلت الحياة الاقتصادية في البلاد ممّا أثر تأثيراً كبيراً على قطاعات كبيرة. كما أن كثيراً من أصحاب المصالح الاقتصادية شعروا بما جلبه عليهم الإضراب من خسائر مادية لذا اصبحوا لا يعيرون التفاتاً كبيراً للسياسة.

توقف الإضراب في 13 / 10 / 1936 م ، وبعث المندوب السامي لبلاده بريطانيا رسالة اعترف فيها بمواجهتهم درساً قاسياً على يد الشعب الفلسطيني وزعيمه الحاج أمين الحسيني -رئيس اللجنة العربية العليا-.

كانت نتيجة الإضراب أن أرسلت بريطانيا لجنة بيل لدراسة أسباب الإضراب، ورفضت الحركة الوطنية مقابلة اللجنة في بداية الأمر بسبب إعلان وزير المستعمرات في عام 1936 م عن استمرار الهجرة اليهودية والسماح لـ 1800 مهاجر يهودي بالدخول إلى فلسطين. وقررت عدم التعاون مع لجنة بيل احتجاجاً على ذلك.
ورغم توقف الإضراب فإنّ اللجنة العربية العليا بقيت تمارس نشاطها في قيادة الحركة الوطنية، وقد تميز هذا النشاط سياسياً وتنظيمياً واقتصادياً من أجل دعم الإضراب والثورة في حال تجددهما.
ثم وافق الفلسطينيون على مقابلة لجنة بيل بسبب تدخل زعماء العرب، وطلب الحاج أمين الحسيني من اللجنة الإنجليزية تحقيق المطالب الفلسطينية التي طالما طالبوا بها وهي:

• منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
• منع بيع الأراضي العربية لليهود.
• تشكيل الدولة الفلسطينية،
• العدول عن تجربة الوطن القومي اليهودي الفاشلة.
• حل قضية فلسطين على الأسس التي حلت عليها قضايا العراق وسوريا .

بسبب ازدياد لهيب الثورة الفلسطينية أصدرت لجنة (ود هيدWoodhead Commission) عام 1938 م والتي جاءت لفلسطين لدراسة موضوع تقسيم فلسطين- قراراً بالعدول عن فكرة التقسيم بسبب الصعوبات الجمة التي توقعها الإنجليز في حالة تطبيق قرار التقسيم". وهكذا حقق الثوار هدفاً سامياً وهو إجبار الإنجليز على إلغاء التقسيم.
ودعت بريطانيا ممثلين عن العرب للحضور إلى لندن لدراسة موضوع فلسطين، ولكنها اشترطت عدم قبول أي ثائر ليمثل فلسطين، غير أنّ الشعب وقادة الثورة صمموا على أن يمثل فلسطين زعماؤها المنفيون، وقد رضخت بريطانيا لهذا الطلب.

دعت بريطانيا العرب واليهود لحضور مائدة مستديرة في لندن عام 1939م بسبب فشل مشروع التقسيم، لكن العرب رفضوا الاجتماع باليهود، فاجتمع الإنجليز مع العرب أولاً، ثم اجتمعوا مع اليهود ثانياً. وألقى جمال الحسيني - رئيس الوفد الفلسطيني - كلمة في مؤتمر المائدة المستديرة حدد فيها مطالب الحركة الوطنية الفلسطينية وهي:

• الاستقلال التام لفلسطين.
• رفض تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.
• إلغاء الانتداب البريطاني.
• وقف الهجرة اليهودية ومنع بيع الأراضي لليهود.

فشل مؤتمر المائدة المستديرة بسبب تصلب الإنجليز في آرائهم، ثم أجرى الإنجليز تعديلات على ما اقترح في مؤتمر المائدة المستديرة كان القصد منها إرضاء العرب كي لا يخوضوا حرباً ضد الإنجليز في حالة قيام الحرب العالمية الثانية التي أصبحت وشيكة الوقوع. فأصدروا الكتاب الأبيض في 27 / 5 / 1939 م ومما جاء فيه:

• تصبح فلسطين دولة مستقلة بعد فترة انتقال مدتها عشر سنوات، ويوضع دستور لفلسطين.
• يسمح بالهجرة اليهودية لفلسطين في أول خمس سنوات، فيسمح بدخول 75 ألف مهاجر يهودي ثم تتوقف الهجرة اليهودية وتصبح مرهونة بموافقة العرب.
• يمنع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود، ويسمح لليهود بشراء أراضٍ في أماكن محددة في فلسطين.

وقوبل هذا الكتاب بالرفض من قبل العرب و اليهود.

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، توزع أفراد الحركة الوطنية الفلسطينية في أماكن مختلفة فكان الحاج أمين الحسيني في ألمانيا، وجمال الحسيني في روديسيا، وعزة دروزة في تركيا، وأحمد حلمي باشا وفؤاد سابا وألفرد روك والدكتور حسين فخري الخالدي في لبنان.
ونستطيع القول إنه منذ عام 1937م عندما خرج المفتي من فلسطين انتقل مركز الثقل السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية إلى الخارج، فكان أولاً في لبنان، ثم في العراق، ثم في ألمانيا. فحيثما كان المفتي يتخذ له مقراً كان عدد كبير من السياسيين والمجاهدين والقادة العسكريين ينتقل معه، ولقد حاول المفتي أن يكون في أوروبا زعيماً فلسطينياً وزعيماً عربياً إسلامياً واستطاع أن ينجح في ذلك في كل من ألمانيا وإيطاليا.
واجتمع المفتي في ألمانيا بقادة الحركات الوطنية العربية مثل القاوقجي والكيلاني، وحاول التخطيط معهما لرسم سياسة المحور العربية. واجتمع المفتي مع هتلر في 1941 م وركز في المقابلة مع هتلر على ضرورة إصدار تصريح ألماني يلغي تصريح بلفور بخصوص فلسطين، وطلب أن يذكر الألمان في التصريح :

• استقلال الدول العربية.
• إلغاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
• لذلك أصدر وزير الخارجية الألماني (فون رينبتروب) تصريحاً في 1943م وجهه إلى المفتي قائلاً: "إن صلات الصداقة القديمة تربط ما بين ألمانيا والشعب العربي، واليوم أكثر من أي وقت مضى هي حليفكم الطبيعي. إن إزالة ما يسمى بالوطن القومي اليهودي وتحرير الشعوب العربية من الاضطهاد، والاستقلال من قبل الأغراب عقيدة أساسية في السياسة الألمانية“ .

كانت الحركة الوطنية في بداية الحرب العالمية الثانية في مرحلة الاحتضار السياسي؛ وذلك بسبب طرد أو نفي أو سجن زعماء فلسطين من قبل الانتداب البريطاني، وهكذا عانت الساحة الفلسطينية تعاني من الفراغ السياسي.
وأصبح من الواضح أنه بعد سنوات من الثورة كانت قوة الثوار في فلسطين وقدرتهم على الاستمرار في مقاومة بريطانيا والصهيونية بقوة السلاح مشكوكاً فيها، وأصبحت الثورة ضعيفة، وسرعان ما أخذ زعماء الثورة يختفون من المسرح واحداً إثر الآخر، فمنهم من استشهد ومنهم من اضطر إلى الفرار، والفاجعة التي لقيتها الثورة هي استشهاد عبد الرحيم الحاج محمد، القائد المشهور، في 25/ 3/ 1939 م وأعلن الاضراب العام في جميع أنحاء فلسطين للإعراب عن مشاعر الحزن على وفاته.
أخذ الفلسطينيون الذين عملوا في الحقل الوطني يذهبون إلى بغداد أفراداً وجماعات. وقد حصل عدد منهم على وظائف في وزارة المعارف العراقية، ولم يجد شباب الثورة وقادتها ملاذاً إلا العراق. ووصل المفتي إلى بغداد قادماً من لبنان ورحب به العراقيون في تشرين أول عام 1939م، وبذلك انتهت الثورة في فلسطين ولكن جذوتها تحت الرماد استمرت مبثوثة هنا وهناك إلى أن يحين موعد الكرّة القادمة فتستأنف فلسطين نضالها الدامي بعد أن ضحت بآلاف الشهداء في فترة ثلاث سنوات من الثورة وتشريد عشرات الألوف وسجنهم واعتقالهم وتدمير مئات البيوت.

ثم سادت في الأجواء السياسية عام 1943م فكرة ضرورة تشكيل هيئة عربية من الأحزاب السياسية تحل محل اللجنة العربية العليا، ولكنهم فشلوا في تحقيق الوحدة الوطنية. لكن جمال الحسيني عند عودته من روديسيا بعد أن سمحت له بريطانيا بالعودة أعاد تشكيل الحزب العربي وتشكيل اللجنة العربية العليا، وأخذ على عاتقه قيادة الحركة الوطنية، بينما بدأت الأحزاب الأخرى بعرض قوّتها وعارضت جمال الحسيني وشكلت الجبهة العربية العليا.
وبالإضافة إلى الأحزاب الستة الموجودة على الساحة الفلسطينية فقد تشكلت أحزاب أخرى منها:

• حزب الشعب.
• وحزب التقدم العربي الفلسطيني.

وبقي هذا التفكك الفلسطيني حتى تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945م، حيث قامت بتوحيد هذه التشكيلات والأحزاب كلها في الهيئة العربية العليا، وألغيت الأحزاب الفلسطينية نهائياً، وكان ذلك في عام 1946 م وترأس هذه الهيئة الحاج أمين الحسيني بعد عودته من أوروبا، وأنشأت الهيئة العربية العليا مكاتب لها في أماكن مختلفة في القاهرة وفلسطين، وأصدرت كراساً بلغات مختلفة عن القضية الفلسطينية. وضم المفتي أعضاء جدداً للهيئة وهم عزة دروزة، ومعين الماضي، وحسن أبو السعود ورفيق التميمي، وإسحق درويش.

وساهمت الهيئة في تشكيل لجان قومية في المدن الفلسطينية لتنظيم شؤون الدفاع المحلي وللإشراف على الشؤون الداخلية في فلسطين. وقررت الجامعة العربية في جلستها الخاصة عن فلسطين ضرورة تشكيل صندوق عربي بناءً على اقتراح مندوب فلسطين، كان الهدف منه:

• إنقاذ الأراضي المهددة بالبيع .
• تحسين حالة الفلاح الفلسطيني ورفع مستواه الاقتصادي.

وعقدت اللجنة الاقتصادية لجامعة الدول العربية مؤتمراً في تموز عام 1945م وتبنى مجلس الجامعة في تشرين ثاني 1945م "جمعية المشروع الإنشائي العربي". وتم وضع خطة خمسية تتبرع لتنفيذها الجامعة العربية بمبلغ مليوني جنيه فلسطيني سنوياً. وترأس المشروع موسى العلمي، ولم تدفع الدول العربية مستحقاتها (عدا العراق التي دفعت ما عليها) وربما كان العلمي يهدف من هذا المشروع إلى تشكيل حزب سياسي برئاسته لقيادة الحركة الوطنية.

قررت الحكومة البريطانية إشراك أمريكا في حل القضية الفلسطينية، فاقترح بيفن رئيس الوزراء البريطاني في خطاب ألقاه في مجلس العموم البريطاني عام 1945م أن تكون الولايات المتحدة شريكة في مسؤولية معالجة القضية الفلسطينية، وقد رد العرب على ذلك قائلين: إن إدخال أمريكا في قضية فلسطين غير ضروري.
ورغم ذلك تشكلت اللجنة الأنجلو أمريكية من 12 عضواً (6 أمريكان و6 إنجليز)، وقد رفض الفلسطينيون في بداية الأمر مقابلة اللجنة الأنجلو أمريكية. وطالبوا مقاطعتها، ولكن الوساطات العربية أثرت على زعماء فلسطين فقابلوا اللجنة، وأعلن زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية صراحة أنهم لا يعترفون باللجنة؛ فقال جمال الحسيني: "إن واجبنا نحو بلادنا يحتم علينا أن نعلن عدم اعترافنا بأن للجنتكم الحق في بحث أو تحقيق قضية فلسطين الحقّهّ ولا في تقرير مصيرها” .

كان قرار اللجنة الأنجلو أمريكية لطمة في وجه الحركة الوطنية الفلسطينية وفي وجوه ملوك العرب، لذلك قرر هؤلاء عقد مؤتمر في أنشاص في مصر في 1946م، وحضر المؤتمر زعماء العرب وهم الملك فاروق (مصر) والملك عبد الله (الأردن) والرئيس شكري القوَّتلي (سوريا) والرئيس بشارة الخوري (لبنان) والأمير سعود (السعودية) نائباً عن والده الملك عبد العزيز، والأمير سيف الإسلام (اليمن) نائباً عن والده الإمام يحيى. وأعلن المؤتمر أنه :

• يرفض قرار اللجنة الأنجلو أمريكية.
• أعلن المؤتمر أن القضية الفلسطينية لا تخص عرب فلسطين وحدهم وإنما كل العرب.
• وأكد المؤتمر أن الدول العربية لا توافق على أي هجرة يهودية إلى فلسطين.
  
  كما عقد في العام نفسه مؤتمر في بلودان بسوريا ، وتقرر فيه:
• رفض أعضاء المؤتمر قرارات اللجنة الأنجلو أمريكية.
• واتخذ المؤتمر قرارات سرية وأخرى علنية.
• ومن القرارات السرية: أن الاحتجاجات لا تكفي بل يجب العمل الجاد، ويجب إلغاء الامتيازات التجارية مع بريطانيا وأمريكا إذا لم تنفذ الطلبات العربية.

أعلنت بريطانيا أنها قررت الانسحاب من فلسطين في 15 / 5/ 1948 م وأنها ستنقل ملف فلسطين للأمم المتحدة. ولعبت أمريكا دوراً هاماً في الضغط على بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أثناء التصويت على قرار تقسيم فلسطين، ومن هذه الدول هاييتي وليبيريا والفلبين وسيام. وقد أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 181 وهو قرار التقسيم بتاريخ 29 / 11 / 1947 م ؛ ونص تقسيم فلسطين إلى دولتين كالتالي :
  

لقد كان وقع قرار التقسيم على الحركة الوطنية الفلسطينية مؤلماً، فلم يصدق الشعب الفلسطيني أن الأمم المتحدة ستقف بجانب اليهود. لذا أخذ الشعب في تسليح نفسه رغم القيود الانجليزية التي فرضها الانتداب، وهي إعدام كل عربي يحمل السلاح ، في حين ساعد الانتداب اليهود على التسليح.
وبدأت الصحافة الفلسطينية تكتب ضد قرار التقسيم وضد الدولة التي ستنشأ، فقالت جريدة الدفاع، في 1947/11/30م مخاطبة العالم العربي: "اليوم أيها العرب فلسطين، وغداً بلادكم الواحدة تلو الأخرى، ساعتها لن ينفع الندم ولا التحسر، سيأتي زمن تتحكم بنا نحن العرب من المحيط إلى الخليج هذه الدولة إن نشأت؛ هل من يتعظ؟".

رفض العرب قرار التقسيم، وعقدت اللجنة السياسية للجامعة العربية اجتماعاً في 1947/12/8م في القاهرة، وقرر رؤساء وممثلو العرب في اجتماعهم أن التقسيم باطل من أساسه وقرروا :

• مساعدة الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه بتقديم الأسلحة (ألف بندقية) وثلاثة آلاف متطوع،
• تولى إسماعيل صفوت قيادة هؤلاء المتطوعين.
• تشكلت فرق جهادية للدفاع عن فلسطين كان منها جيش الإنقاذ، بقيادة فوزي القاوقجي،
• وهناك قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، وعدد آخر من المتطوعين.

وابتدأت المعارك بين الإنجليز والصهاينة ضد العرب في فلسطين. ونتيجة اشتداد المعارك خرج كثير من أفراد البوليس الفلسطيني من مراكزهم تلبية لِنداء الحركة الوطنية والتحقوا بحركة النضال واشتركوا في العمليات الجهادية.
ثم بدأت تدخل فلسطين أفواج من المتطوعين العرب؛ حيث أرسل الإخوان المسلمون عام 1948م ثلاث كتائب من المتطوعين إلى فلسطين كانت أغلبيتهم من الإخوان المسلمين، وكانت الكتيبة الأولى أرسلت إلى النقب ثم إلى جنوب القدس على رأسها أحمد عبد العزيز. وكانت الكتيبة الثانية بقيادة عبد الجواد طباله الذي حارب في غزة، وكانت الثالثة بقيادة اليوزباشي محمود عبده الذي وصل إلى صور باهر وقد التحق عدد من الفلسطينيين بهذه الكتائب وتدربوا على السلاح وشاركوا في معارك عام 1948م، واستطاع الفلسطينيون مع إخوانهم المتطوعين أن يتغلبوا على اليهود ولا سيما في معارك القدس - يافا.   

وبدأت الصحافة الأجنبية تتحدث عن ضرورة التراجع عن التقسيم. وأعلنت جامعة الدول العربية قبل 1948/5/15م بأسبوعين عن تصميمها على دخول الجيوش العربية النظامية إلى الميدان وتعيين الملك عبد الله قائداً لها. وكان الإنجليزي كلوب باشا قائد الجيش الذي أعلن هدنة لم يحترمها اليهود فارتكبوا مجازر ضد العرب مثل مجزرة دير ياسين في 1948/4/10م وغيرها.
وكان الشهيد عبد القادر الحسيني قد ذهب إلى دمشق للحصول على الأسلحة قبل سقوط القسطل، لكنه لم يحصل على ما أراد فرجع إلى فلسطين غاضباً واستشهد في معركة القسطل قبل مجزرة دير ياسين بيومين .
وفي 1948/5/15م انسحبت بريطانيا من فلسطين، وأعلن دافيد بن غوريون في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الجمعة 1948/5/14م أمام قيادة العمل الصهيوني في اجتماع عقد في قاعة متحف مدينة تل أبيب قيام دولة إسرائيل.

ومع إعلان الانسحاب البريطاني من فلسطين وعشية دخول الجيوش العربية إليها يوم 15 أيار 1948، كانت عصابات “الهاغاناه” الارهابية الصهيونية، تسيطر على رقاع متعددة في البلاد تضم أغلبية المستعمرات اليهودية والمدن الرئيسية ، بعد أن هيأت كل الأسباب لإقامة الدولة اليهودية المتفوقة على عرب فلسطين في كل شئ:

• فقد أدخلت أكثر من نصف مليون يهودي إلى البلاد.
• ساعدت في إنشاء القوات اليهودية المسلحة.
• سلمت للعصابات الصهيونية الأراضي والمدن والقرى والمراكز الإستراتيجية والجبلية والمواني والمطارات ومعسكرات الجيش والأسلحة والذخائر حتى تضمن انتصار اليهود على العرب الذين نكلت بهم من ربع قرن.

استطاعت الجيوش العربية أن تحقق تقدم على كل المسارات والجبهات في المرحلة الأولى من القتال التي امتدت من 15-5 إلى 10-6-1948 فقد وصل الجيش العراقي حتى مسافة 10 كم جنوب تل أبيب ووصل الجيش الأردني إلى القدس، كما أن الجيش السوري واللبناني حققا تقدماً جيداً في الشمال والجليل.
ولكن فجأة تدخلت الولايات المتحدة وفرضت الهدنة الأولى والتي استمرت من 11-6 إلى 8-7-1948م، وعندما تجددت الحرب في الجولة القتالية الثانية في 9-7-1948 كانت العصابات الصهيونية، قد استكملت تسليحها وتدريبها وتعبئة كل الطاقات البشرية القادرة على حمل السلاح حتى وصل عدد المقاتلين اليهود إلى( 106) ألف مقاتل الكثير منهم شارك في الحرب العالمية الثانية، ويتمتع بقدرة عالية على استيعاب العلوم العسكرية في مقابل( 67) ألف جندي عربي نظامي وغير نظامي.
أمام هذا الاختلال في موازين القوى في العدد والعتاد والقدرة على الاستيعاب للعلوم العسكرية استطاعت المنظمات الصهيونية أن تستولي على 78% من مساحة فلسطين. وهكذا فرضت الهدنة الثانية في 18-7-1948م. وبقيت الضفة الغربية مع الأردن، وقطاع غزة تحت السيطرة المصرية.
انتهت الحرب التي صنعت مأساة فلسطين الوطن والشعب، تلك الحرب التي بدأت عربية شكلاً وانتهت بمعاهدات هدنة فردية، حرب الأنظمة التي دفع ثمنها شعب فلسطين من وطنه وكيانه ودمه.   

بعد فشل العمليات العسكرية العربية على الساحة الفلسطينية بدأ التحرك السياسي في الأوساط العربية حول قضية فلسطين؛ فعقد :

• مؤتمر فلسطيني أردني في عمان في 1948/10/1م حضره عدد من الشخصيات الفلسطينية والأردنية وتغيب عدد كبير من قادة الحركة الوطنية الفلسطينية، ونادى المؤتمر بضرورة قيام وحدة أردنية فلسطينية تضم بقية الأراضي التي لم تسيطر عليها القوات الصهيونية.
• كما عقد مؤتمر أريحا في كانون أول 1948م وكان هذا المؤتمر مكملاً لمؤتمر عمان ونادى أعضاء المؤتمر بالوحدة بين فلسطين والأردن، والمناداة بالملك عبدالله ملكاً على الدولة الجديدة الموحدة.
• عقد مؤتمر في نابلس في 1948/12/28م جرى فيه إجماع المؤتمرين على اتحاد الضفتين الغربية والشرقية تحت التاج الهاشمي ومبايعة الملك عبد الله ملكاً على فلسطين والأردن.

رأت الهيئة العربية العليا أن قيام حكومة فلسطينية تحل محل حكومة الانتداب البريطاني هو حق وواجب طبيعي للشعب الفلسطيني وقد استشارت الهيئة العربية جامعة الدول العربية فرفضت هذه الأخيرة إنشاء حكومة فلسطينية وذلك بسبب الضغوط الإنجليزية على الدول العربية.
ثم أعلن عبد الرحمن عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية في 1948/7/11م بياناً عن ضرورة إقامة إدارة مدنية فلسطينية في فلسطين، لذا أصدرت الهيئة العربية لفلسطين بياناً دعت فيه إلى عقد مؤتمر فلسطيني، وتم عقد المؤتمر في غزة في 1948/12/1م، وتشكل فيه "المجلس الوطني" وأسندت رئاسته للحاج أمين الحسيني، وأعلن المجلس الوطني في 1/ 12/ 1948 م استقلال فلسطين كلها استقلالاً تاماً، وانتخب المجلس حكومة أسماها حكومة عموم فلسطين،

1- الانضمام للأحزاب العربية - فتشكلت أحزاب عربية وتنظيمات مختلفة ، منها :

• منظمة "كتائب الفداء العربي" في دمشق التي نذرت نفسها لتحرير فلسطين.
• وانخرط عدد من شبان فلسطين في الأحزاب العربية الثورية ذات البرامج القومية، وقد شهد حزب البعث العربي وحركة القوميين العرب إقبالاً متزايداً على صفوفهما من جانب الشباب الفلسطيني المثقف.
• كما استقطب التيار الجماهيري الناصري قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني.
• وكانت جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة من أكبر التنظيمات من الناحية العددية وأكثرها جماهيرية، ففي عام 1954م بلغ عدد الأعضاء 1000 عضو، وجاء معظم الأعضاء من بين طلاب المدارس في مخيمات اللاجئين وطلاب درسوا في الجامعات المصرية، وقد شكلوا "رابطة الطلبة الفلسطينية بالقاهرة" التي سيطر على هيئتها الإخوان المسلمون أو أصدقاؤهم، ومن أبرز هؤلاء ياسر عرفات الذي كان صديقاً مقرباً من الإخوان، وسليم الزعنون، وصلاح خلف.

2- التصدي للمشاريع المشبوهة لتصفية القضية الفلسطينية

لم يكتف الفلسطينيون بالانضمام للأحزاب العربية، بل وقفت الحركة الوطنية ضد المشاريع المشبوهة التي نادت بتحسين حالة اللاجئ بقصد دمجه في الأقطار العربية.

وشارك الإخوان المسلمون في إفشال مشروع "سيناء للتوطين" (لتوطين اللاجئين) لعام 1955م، كما واجهت الحركة الوطنية تحدياً آخر هو مشروع تدويل قطاع غزة عام 1957م، وقد فشل هذا المشروع الذي خطط له (لبستر بيرسون) وزير الدولة الكندي للشؤون الخارجية.

3 - الأعمال الفدائية العسكرية

اتبعت بعض الفئات الفلسطينية طريقة الهجوم على إسرائيل إما بقصد العودة لديارهم وإما بقصد التحرير، فكانت مجموعات صغيرة تقوم بزرع الألغام ونصب الكمائن داخل إسرائيل؛ لذا نشأت حالة من الذعر وانعدام الأمن ، وفي الفترة ما بين 1954-1956م شكل الإخوان المسلمون مجموعتين سريتين خططتا لممارسة العمل المسلح؛ كانت الأولى هي مجموعة "شباب الثأر" ومن أعضائها صلاح خلف، وأما الثانية فكانت مجموعة "كتيبة الحق" ومن أعضائها خليل الوزير.
ونتيجة ازدياد الهجمات الفدائية كانت الفرصة سانحه لإسرائيل للانضمام لفرنسا وبريطانيا في العدوان الثلاثي لضرب الحركة الفدائية عام 1956م. أما داخل إسرائيل فكانت الحركة الوطنية الفلسطينية تعاني من الاضطهاد الصهيوني كما حصل في مجزرة كفر قاسم 1956 م .
وكان النشاط الفلسطيني داخل الأرض المحتلة عام 1948 م قد تركز في إنشاء جماعة "الأرض" عام 1959م وصدرت صحيفة تحمل نفس الاسم "الأرض"، وقد حدد البيان الأول لجماعة الأرض هوية الفلسطيني؛ ومما جاء فيه "نحن الجناح القومي في الجبهه الشعبية الديموقراطية نعلن أننا جزء من الشعب الفلسطيني الذي هو جزء من الأمة العربية.